-
°C
+ تابعنا

افتتاحية.. بقلم: أمين نشاط

الرئيسية كُتّاب وآراء الجدال السياسي المغربي والحاجة إلى تخليقانية دستورية

الجدال السياسي المغربي والحاجة إلى تخليقانية دستورية

كتبه كتب في 2 فبراير 2019 - 8:52 م

هل يصح القول أننا نعيش زمن التيه والغوغاء وفن الاقناع بالكذب فتم  فصلنا عن زماننا وهويتنا ؟

أن الثورة الجمالية لا تتحقق الا في عالم الفن، ومن أخطر المتناقضات في حياتنا المعاصرة  تباعد النظريات عن الواقع و القول عن الفهم  وفصل الجسد عن العقل حيث تدهورت عقيدتنا الايمانية وتم الاهتمام بالجسد ومظاهر الحياة الخداعة وتمكن الجسد من الحرية الزائدة وتوفرت لديه كل الاحتياجات دون حدود بما في ذلك الضارة به كشرب الخمر والزنى والوشم والتحول جنسيا ..الخ، مقابل الانطوائية التي أفردت الروح بالتيه بعيدا عن الجسد بفاصل مادي يعبر عن الانفصام الذي أصاب الشخصية العمومية والتهرب الذي يجد ضالته في السياق الفكري العالمي الذي أفرز عددا من القضايا أثرت على السلوكات الفردية، وعلى الوضعية الداخلية للدول والشعوب وغدتها بالاضطرابات التي أصابت نفسية الأشخاص والتجاذبات بين التيارات المختلفة، فتعالت معها مطالب الشعوب الاصلاحية، وعرضت البعض منها للتآمرات وفتحت بذلك باب المساس برموزها وتعريض الدول للعمليات الارهابية ومنها المغرب… فبفضل الحرية عبر الشعب وما يزال يضغط بمختلف الوسائل والطرق على المؤسسات السياسية والادارية من أجل تنزيل مشاريع تنموية كفيلة بصيانة  كرامة المواطن المغربي، هذه التعبيرات تتنوع وتتوزع بحسب التنظيمات المجتمعية السياسية والمدنية والحقوقية الرسمية والموازية دون الانتباه الى كون هذه الحرية ملغومة أحيانا وتساق معها مغالطات، وقد أبانت المطالب عن ضعف قدرات الحكومة وسوء تقدير السياسات العمومية وطنيا وترابيا، لكن بالرغم من هذه الوضعية ينبغي مواصلة البحث عن مخارج الاصلاحات الحقيقية وضبط منهجية اعادة تثبيت هيبة المؤسسات والفعل التنموي وربط الثوابت الوطنية بالاحترام الواجب للقانون المنصهر ضمن المواطنة الحقة التي ترد الاعتبار للأخلاق المجتمعية  وتحد من الكذب السياسي الذي فقد على اثرة أغلب السياسيين الشعبية وثقة الشعب لاسيما مع  وجود تناقضات في المواقف والتصريحات والافعال ووجود بعض الاشارات المؤججة  للصراعات غير المطمئنة والتي قد تؤدي الى موت العمل السياسي.

الأخلاق العامة أداة مساءلة السياسي

ان الدولة تقوم على ثوابت دستورية لا يمكن المساس بها بل ينبغي استثمارها، إضافة الى كون الخيار الديمقراطي الذي يقوم على التنافس الحر ولا يقبل أي تغيير في قواعده لاسيما قاعدة العودة للشعب كلما تعلق الأمر باختيار ممثلين عنه  وتكوين مؤسسات منتخبة تشريعية وعقلنة منطق الأغلبية البرلمانية لتشكيل حكومة يعينها الملك، وفي هذا الاطار لا ينبغي – أخلاقيا – الابقاء على الجمع بين عدة مهام سياسية كالجمع بين العضوية البرلمانية ورئاسة جماعة ترابية أو الجمع بين رئاسة الجهة وعضوية بالبرلمان أو عدة مهام سياسية ومهام أخرى تسبب أزمة  توزيع المهام داخل بنية الدولة، وقد أصبح لزاما تصحيح وضعيات الارتباط القانوني بالمؤسسات والحد من المشاحنات المجانية بين مختلف مكونات المشهد السياسي لما لذلك من خطر على البلاد.

وعلى هذا الأساس فان المغرب عليه أن يضع المسؤولين اليوم أمام امتحان  منطق استمرار الدولة،  وضمير الامتثال للقانون والانتماء للوطن، بغية فرض الهيبة على المؤسسات الدستورية، والتنبيه الى المخاطر الافتراضية وعواقب التراجع الى الخلف لاسيما و قد وصلت الى حد الضرب في عمق بعضها بسبب تعارض المصالح فيما بين المسؤولين باسم المؤسسات نفسها سواء منها  الوطنية أو الترابية، فيستخدم الصراع حينا  لتبرير الفساد والتآمر على الاصلاحات، وحينا لتضريب قرارات تخدم مرجعية سياسية أو خلفية ايديولوجية معينة، وتحول في الغالب الى رصيد الأحزاب  بدلا من تعزيز  دولة القانون والعدالة الاجتماعية المتوخاة، والبحث عن كيفية تقوية مصلحة البلاد. وفي حين آخر يكتفي باتخاذ قرارات ممانعة يكون من ورائها قطع الطريق عن المؤثرات المتواجدة في البيئة الداخلية والبيئة الخارجية للنسق السياسي.

ان فكرة “الحزب يعادل الدولة”  أو “حزبين يتصارعان للتفرد بالدولة مع وجود تعددية “،   تبقى فكرة غير أخلاقية ومرفوضة دستوريا حيث يتم بموجبها تهريب الدولة من مكانها  بالاعتماد على الكذب العام وتسخير الدهاء والمكر السياسيين، لفائدة تيار سياسي مهيمن أو يريد الهيمنة أو يجر البلاد الى الفوضى ، وهذا يضر بركن السلطة السياسية للدولة  فيؤدي الى الاستبداد أو ايقاظ فتنة لا تعرف عواقبها في ظرفية لا يعي أغلب الفاعلين  وقعها و خطورتها على البلاد.

أخلاقيات النظام الملكي أو “الملكية الثالثة” اطار للانتقال الأخلاقي في الدولة

ان الاقلاع التنموي ممكن بالنظر الى الثروة  الوطنية المتوفرة وامكانيات الدولة البشرية والمالية والقانونية والطبيعية التي تشكل رأسمال مهم ويمكنه أن يحقق المردودية الكافية ويغير وضعية الشعب المغربي على كافة المستويات وخصوصا الطاقات الشبابية، ولا يمكن تحقيق الانتقال في غياب الأخلاق العامة التي تميز النظام الملكي عن غيره من الأنظمة الأخرى،  وهي معيار للتمييز والتفاضل بين المسؤولين داخل بنيات النظام السياسي، وهذا يتطلب الاصغاء للتوصيات والاقتراحات التي تنتجها النخب وهيئات المجتمع المدني التي تربط في معالجتها للقضايا المختلفة الاطارات القانونية والفكرية بنبض الشارع ودقات قلب الاجسام المجتمعية، وتلامس روح الدستور والغاية من وجود القانون . بالإضافة الى  التركيز على القوى العقلية لإعادة انتاج أدوار الدولة وتسويقها وتنزيلها في قالب نموذج تنموي مغربي جديد بعدما فشل النموذج التنموي السابق، والسماح ببناء تفكير نموذجي لمشروع تنموي متكامل، توافقي،  ويجمع بين الانتقال السياسي والانتقال الأخلاقي.

ان إعادة القيم والأخلاق العامة الى مكانها وفتح النقاش الكاشف والصريح حول الثروة واعادة المال العام الى مجراه الحقيقي،  سيمكن من حفظ جزء من  كرامة المواطن وسيصبح محورهما بشكل تلقائي، خصوصا اذا تم الحسم في ضوابط التنزيل الناجع للسياسات العمومية الوطنية والترابية من خلال مشاريع متكاملة برؤية واضحة وقيادة آمنة.

 الكذب العام وتجاهل القانون يمثلان خطرا على السياسة الاقتصادية الوطنية

ان تدفق ايديولوجية الكذب العام  لمختلف مستويات الدولة السياسية والادارية فتح باب للمكاسب بدون شرعية وتوسعت  بذلك دائرة الصراع حول الريع المتنوع،  وقامت السياسة بإبعاد القانون عن العدالة، فتعقدت بذلك اجراءات استعادة الحقوق المهدورة بحجة ربط حياة المواطنين  دون استثناء، رغم جهل غالبيتهم،  بضرورة احاطتهم التامة بالقانون من خلال  قاعدة “لا يعذر أحد بجهله للقانون”، مما  يسمح مع هذه القاعدة بخلق مساحة شاسعة للمسؤولين  للتهرب من تقديم حلول واتباعهم  لطرق مبهمة في عملية البحث عن حل مشاكل المواطنين وتضارب التأويلات في تناول بعض الحلول، وتعدد المداخل منها القانونية والسياسية وحتى الاجتماعية والاعلامية والشخصية، لتبرير تحقيق النتائج  من عدمها، بل رفع ذلك من التكاليف المادية لاستعادة حق مهضوم بأكثر من قيمته أحيانا، ونتج عنه بشكل طبيعي تبني مواقف  يائسة من قبل العديد من المواطنين بسبب  هدر الوقت وفرض الاستسلام للأمر الواقع دون تقديم حلول لكثير من المشاكل مما أعطى الاكتئاب والاحباط لدى الكثير منهم.

ان الملكية الأخلاقية  تقتضي العودة الى ايجابيات الملكية الأولى لحكم الحسن الثاني حيث أن المواطن المغربي يحتاج بين الفينة والأخرى لبعض قرارات الملك الراحل، والوقوف على ايجابيات ملكية العهد الجديد  لكون المرونة والانفتاح ساهمت في تقدم وضعية البلاد … والتفكير في صياغة  نموذج أخلاقي ثالث للنظام الملكي المغربي يغير طريقة  تفريغ قدرات الدولة ويفرض عدالة دستورية ومساءلة قانونية، ويواجه خذع الفكر الماسوني والكذب العام المميت للثقة في الدولة وفي المسؤولين ويحد من ضرب الثوابت الوطنية والمساس برموز البلاد.

ان الثقافة التي كرسها الواقع ابتعدت عن المرجعية الثقافية الوطنية الأصيلة واختلطت بالثقافة السياسية عبر الوطنية  في صور معلنة وغير معلنة  تتجاوز حدود الدفاع عن الحداثة و حقوق الانسان الأساسية، وتم اللجوء الى كل الطرق للتوغل في مستويات الدولة رغبة في السيطرة على المؤسسات ومنها مساومة الدولة من الداخل .. وعليه فان الدولة تواجه أنواعا من الماسونيات ومنها الماسونية الاسلامية  التي تتصارع مع الماسونية الحداثية في مقابل اكتساح التيارات السياسية اليمينية المتطرفة في الدول الغربية.

الفكر الماسوني الاسلامي واليساري مخادعين لاستقرار البلاد

بعيدا عن ديننا الاسلامي الحنيف، الواضح المعاني، والمتكامل الاركان و المرامي والأهداف …الخ، وبعيدا عن المفهوم النظيف للحداثة..، وبالنظر الى بعض التجارب السياسية كتركيا مثلا، نجد هناك تيارات فكرية اسلامية  تشوه الدين الاسلامي وتدعم الفكر الماسوني الاسلامي المتمثل في ممارسة العمل السياسي باسم الدين دون الالتزام بشروط التدين الحقيقي، بل مطلوب اخفاؤه بالكذب والفساد  وشرب الخمر وكل الممارسات التي تموه حقيقة الشخصية الماسونية  …  وأصبح ذلك سنة مشاعة بين الناس، وتم اعتماد التقية حتى يتم التسلل و التوغل عن طريق ولوج الوظائف العمومية بشكل كافي في مؤسسات الدولة لاسيما الجيش والقضاء و الادارة والهدف هو الانقلاب على الحكام باستعمال نفس ادوات القوة التي تملكها الدولة بعد التمكن منها وهناك محاولات عدة من هذا القبيل كالنموذج التركي حيث يوجد التيار الاسلامي النورسي بشكل كبير، ومعلوم أن الرصيد الوطني مكون من ثوابت لا يمكن أن يكون موضوع مساومة أو تحرش أو مزايدة أو مساس أو تآمر أو تشهير أو تشويه أو تهجم…

فساد الخطاب الديني والحداثي يخدمان الفتن والافعال الاجرامية

رغم تعدد الاسباب التي تغدي الجريمة العابرة للقارات، لكن وقعها على الحياة السياسية للبلدان يرتبط بالخطاب السياسي غير الملتزم،  ويصنف الارهاب ضمن الجرائم الخطيرة التي تهدد النظم الأمنية للدول والشعوب. وعليه فان الدولة اليوم تواجه صعوبات أمنية ليست عادية وتتطلب امكانيات واستراتيجيات متقدمة للقيام بتدابير وقائية  مواتية ومناسبة ومنها اعادة النظر في العلاقة بين الخطاب السياسي والخطاب الديني ما دامت الرسائل التي تمررها الجريمة الارهابية سياسية ودينية وتفاصيلها اقتصادية وأمنية وثقافية بينما تحدياتها تبقى جيواستراتيجية.

الأمن الديني والسياسي والأمن الرقمي من الضرورات الاستعجالية

بالنظر الى المخاطر التي أصبحت تهدد الأمن والاستقرار فقد بات ضروريا ايجاد مؤسسة للأمن الديني  المغربي تؤمن العبادات عن ما تتوخاه المذاهب الأخرى التي تختلف عن المذهب المالكي، وتختص بتتبع الشق المشجع على المواجهة وتنفيذ عمليات اجرامية وتعتبرها خدمة دينية وتنفيذا لتعاليم الدين المرتبطة بالجزائين.

عودة اليمين المتطرف يهدد بعودة الصراع الديني وطرد المهاجرين

لقد أصبحت الانظمة السياسية المعاصرة في أوربا و أمريكا اللاتينية  تتجه نحو التيارات السياسية اليمينية المتطرفة الرافضة للانفتاح والتي ترغب في العودة الى السلطة بالمفهوم الراديكالي لنظم حكم الدولة الوطنية وتفرض حماية حقوق الشعب التقليدية وتهدد بطرد المهاجرين الأجانب ومنع هيمنة الشركات الدولية على الاقتصاد الوطني ومحاربة الديانات التي تنتشر بسرعة في مجتمعاتها لاسيما الدين الاسلامي.

هذا ويبقى السلوك السياسي  الذي يحترم دين البلاد الرسمي والأخلاق العامة الوطنية التي لا يؤطرها القانون بالكامل و يتشدق اليها المواطنين وتواجه الكذب العام وكل الأفكار السياسية المخادعة، واعادة النظر بجدية ومسؤولية وإرادة حقيقية في موضوع الثروة واصلاح  قدرات الدولة وبناء توافقات وطنية راهنية… جذير بالتركيز على الثوابت الوطنية  التي ينبغي ان تحصن بأخلاقيات النظام الملكي التي ستنقل البلاد الى الملكية الثالثة وتكون قادرة على التفاعل مع القيم الكونية دون اصطدام.

 

” الدكتور أحمد الدرداري “

أستاذ جامعي بكلية الحقوق بتطوان

رئيس المركز الدولي لرصد الأزمات واستشراف السياسات بمرتيل

 

==========================================================

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .