“يبدو أن العلاقات بين الجنسين تجتاز مرحلة فوضى وخلط شديد مطبوعة بغياب كل قاعدة” هكذا تقول الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي في كتابها المعنون بـ: “ما وراء الحجاب: الجنس كهندسة اجتماعية” .
الفوضى هي حقا الكلمة المناسبة التي تطبع شكل ومضمون معظم العلاقات بين النساء والرجال في مجتمعاتنا العربية فالجهل بالذات وبالآخر والتركيز على الرغبات والشهوات بات أمرا ومشهدا طبيعيا يغلب على العلاقات التي أصبحت عبارة عن علاقات”انسحيوانية “إن صح التعبير هدفها الأول والأخير هو المتعة فقط. وظاهرة “الميمات” بالمغرب هي واحدة من الظواهر التي لا تخلو من طابع الفوضى والعشوائية حيث تغلب المصلحة والاستغلال.
غير أن ظاهرة “الميمات” تجعلنا نعيد النظر ونسأل عن مجموعة من الأمور الهامة (ولا ضرر من التعريف لمن لم يسمع عن الظاهرة من قبل كون أن “الميمات” هن نسوة تتراوح أعمارهن بين الثلاثينات والخمسينات مستقلات ماديا ويفضلن الشريك الأصغر منهن سنا لممارسة الجنس مقابل حصول الشاب على مبلغ مادي وامتيازات أخرى).
هذه الظاهرة تدفعنا لطرح عدة أسئلة وأولها:
هل يمكننا من خلال ظاهرة “الميمات” أن نتحدث عن الهيمنة الأنثوية عوض الهيمنة الذكورية التي تحدث عنها بيير بورديو في كتابه (أعلى, أسفل, فوق, تحت, أمام, وراء, مستقيم, مقوس, جاف, رطب, صلب, رخو…) بما أنه تولد عن هذه الظاهرة انقلاب في الأدوار بين الرجل والمرأة حيث لطالما سمعنا وتقبلنا للأسف كمجتمع النساء اللواتي يمارسن الجنس مقابل الحصول على المال أما الان فالرجل هو من يمارس الجنس مقابل الحصول على المال؟
وهنا يحضرني ما قاله محمود درويش حين قال : “قد تسمع كلمة عاهرة كثيرا لكنك لن تسمع مصطلح عاهر أبدا. فهذا المجتمع قد اعتاد على تعليق أخطاء الذكور في رقاب النساء”. فهل يمكننا اليوم أن نعترف أخيرا بالرجل “العاهر” مع وجود واستفحال ظاهرة مماثلة؟
وهل وحده المتغير الاقتصادي من يمكن النساء المعروفات “بالميمات” من التحكم في مسار العلاقات التي يخضنها مع شباب أصغر منهن سنا؟
وإن كان الأمر كذلك فمن يمارس السيطرة المطلقة على الجسد هنا المرأة صاحبة المال وبالتالي صاحبة الاختيار والقرار أم الشاب الذي يقدم فحولته كخدمات جنسية لكي يكسب من عرق “عضوه الذكري” لقمة العيش؟ وهل يصنع المال في هذه الحالة تراتبية جنسية حيث يمارس صاحبه السلطة ويتحكم في مقاليد العلاقة برمتها وخصوصا الجنسية منها؟ وهل سنكون بصدد المبالغة والمغالاة إذا وضعنا احتمال أن يتحول العالم بسبب هذه الظاهرة من كوسمولوجية المركزية الذكورية إلى المركزية الأنثوية؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها للحديث عنها من خلال هذه الظاهرة فهل يا ترى سنتمكن من الحصول على جواب لها؟
أتذكر حتى أمس قريب كيف كانت الأعراس المغربية الشعبية لا تخلو من أغان تشجع وتضخم من قوة وفحولة الرجل الذي سيقبل على مهمة خطيرة وصعبة وشاقة ألا وهي فض بكارة الفتاة العذراء التي تنتظره داخل غرفتها في توجس حيث وفجأة يصبح هذا الرجل هو البطل “رأفت الهجان ” ولربما أغان مثل “هاهو يا العزارى (نسبة إلى الذكر في العامية المغربية) هاهو كيتسارى” “ها هو جابها الفحل هاهو جابها والله ما خلاها في الظل ها سروالها” ها السروال ها السروال هز راسك وسط الرجال” هذه الأغاني التي يبقى صداها عالقا بالجدران كانت بمثابة تشجيعات لهذا البطل الذي سيغزو بلادا جديدة. هذه الذكرى هي واحدة من مظاهر التقاليد والعادات بمجتمعنا المغربي التي كانت تظهر مدى الأهمية التي كان ومزال يوليها الموروث المجتمعي للقدرة الجنسية للرجل والتي أصبحت “الميمة” اليوم تتملكها بمبالغ زهيدة في أغلب الأحيان لا تزيد عن 250 درهما مغربيا.
لطالما اعتبر الرجل رمزا للقوة والفضيلة والشرف والغريب في الأمر أن شرف الرجل هو المرأة لأن الرجل لا شرف له وإلا لما كنا نسمع الجدات توصي الفتاة المقبلة على الزواج قائلات: صوني شرف زوجك” كما أن شرف الرجل عادة ما يعني زوجته أو أخته أو ابنته التي تحفظ فرجها وتصون وتحمي شرفها. وهنا يطفو على السطح سؤال ليس بالجديد ألا وهو ما هو شرف الرجل ولقد سألت الدكتورة نوال السعداوي نفس السؤال وأجابت قائلة : “إن شرف الإنسان رجلا أو امرأة هو الصدق, صدق التفكير وصدق الاحساس وصدق الأفعال”. وقالت في كتابها “توأم السلطة والجنس” حين تحدثت عن ارتباط تحرر المرأة بجوهر الأخلاق والشرف قائلة: “إن قضية تحرير المرأة في بلادنا العربية لا تعني التشبه بالغرب كما يتصور بعض الناس, ولكنها تعني القضاء على الازدواجية الأخلاقية والسياسية معا. إنها تقتضي المفهوم السطحي لمعنى الشرف أو الأخلاق, ليشمل سلوك الرجل بمثل ما يشمل سلوك المرأة, ولا يكون مجرد صفة تشريحية أو بيولوجية تولد بها الأنثى أو لا تولد بها. إن جوهر الشرف الانساني يتعلق برأي الانسان الرجل والمرأة, بالعقل والتفكير والمبادئ والقدرة على الدفاع عن العدل والحرية, حينئذ يفقد الرجل شرفه إذا كذب أو نافق أو دافع عن الظلم والقهر, وبالمثل أيضا تفقد المرأة شرفها إذا كذبت أو نافقت أو دافعت عن الظلم والقهر” .
فهل يمكننا من خلال ظاهرة “الميمات” أن نعيد النظر حول مفهوم الشرف والعار في ظل وجود شباب يمتهنون الجنس؟
ولا أريد أن ننحصر في هذا الجانب المتعلق بشرف الرجل والمرأة إذ ما يهمنا في هذا المقال هو المتغيرات التي أصبحت تفرضها ظاهرة “الميمات” على العلاقات الجنسية. فالميمة امرأة نستطيع أن نقول أنها تتحدى انتهاء الصلاحية التي يحددها لها المجتمع كلما تعلق الأمر بسنها أو قدرتها ومدى عطائها الجنسي بسبب استقلالها المادي الذي يسمح لها باختيار شريكها بكل حرية وحسب معايير خاصة بها بل وتفرض عليه ما يرضيها وما لا يرضيها , فهي بتوفرها على الجانب المادي في مقابل الشاب الفقير والوسيم والفحل تصبح الحاكمة في دواليب العلاقة حيث هي من تحدد بدايتها ونهايتها كلما لفت انتباهها شاب اخر فعلى حسب ما تقول “العينة س” : ” الميمة عشاقة ملالة” تغير الشريك تماما كما تغير أحذيتها وما المانع فالمال سيد القرار. ومرة أخرى تحضرني مقولة لنوال السعداوي تقول فيها : ” المرأة كالدولة إن لم تنفق على نفسها بمالها فقرارها ليس بيدها”. فإلى أي مدى يا ترى تنطبق هذه المقولة على الميمات؟
انطلاقا من أقوال العينات فهي تنطبق بشكل كبير بل وتتعدى ذلك كون أن “الميمة” بسبب السلطة التي تكتسبها من خلال توفرها على الاستقلال المادي لا تتردد في فرض ما تريد خلال الممارسة الجنسية حيث تعبر عن رغباتها وتخيلاتها الشهوانية كما تشاء وتطلب وتأمر الشاب بفعل ما يرضيها وليس على هذا الأخير سوى الانصياع لسيدته و إمتاعها قد المستطاع وإلا غيرته بآخر! ولا يملك عموما الشاب في علاقة مشابهة سوى أن يكون مصدر سعادة ومتعة “الميمة” التي توفر له كل شيء, إذ تقول إحدى العينات:
“لحقاش الميمة خدامة كتشوف فيا أنا دري صغير باقي طالع فالجهد ديالي, كنتلاقى معها مع المدة كتولي هي دبر عليا, تقدر تكسيني, تقدر تخرجني معها..”
وتضيف “العينة س” : (شاب يرتبط بعلاقة مع “ميمة”)
“من ناحية الجانب المادي هي كتوفر ليك أي حاجة بغيتي تقدر تقوليها تلفون غالي غير بالضحك أو كاع متقولهاش ليها, أي حاجة غير بالضحك كتحققها باش أنت متشوفش بلاصة أخرى, تقول هاد الانسانة موفرة ليا كلشي أنا شنو باغي؟”
هكذا يتضح لنا كيف تمارس”الميمات” حياتهن وسط المجتمع بالشكل الذي يرضيهن وفق لعبة سلطة قمعية المال هو مصدر قوتها وتمردها الأول والأخير إلا أن ذلك التمرد الشرس والتجاهل التام لرفض المجتمع لهن لا يمنع احتمال ما قد يكن بصدد قمعه داخل أنفسهن من مقاومة وخوف من التقدم بالعمر ومن رغبات وحاجيات جنسية مكبوتة ومضطهدة من طرف زوج أهملها أو شريك لم يتفهمها. ومرة جديدة يظهر سؤال اخر هل يمكننا اعتبار الظاهرة انتقام من طرف “الميمات” ضد الحياة وأحكام المجتمع الجاهزة والمسبقة؟ ومن يلام هي أم هو؟
تعليقات الزوار ( 0 )