Site icon Chamalpress | شمال بريس

العنصرية محنة العقل البشري

يقال في الادب الأمريكي  ان  المواطن الامريكي هو كل شخص يعيش فوق التراب الامريكي ويتنفس هواء البلاد و في قلبه المحبة لها دون اشارة للون او دين او عرق, اذ تذوب فيها كل الفروق ويبقى الولاء للأرض.

لكن توالي الاحداث العنصرية على مر العقود أجّج شعور التفرقة بين أطياف المجتمع الأمريكي الى أن بلغ مداه في   حادثة قتل الأمريكي من أصول أفريقية جورج  فلويد  بطريقة بشعة، حيث قام شرطي امريكي بوضع ركبته على عنق جورج فلويد حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في مشهد شاهده العالم باسره  و اعاد الى الذاكرة صور العبودية و الاضطهاد و التفرقة العنصرية  التي عانى منها السود بشكل قانوني الى أواخر الستينات, و كشف الصدع الاجتماعي الشاسع الذي كان مخفيا وراء الكلمات البراقة و الخطب الرنَّانة واظهر حقيقة الديمقراطية الامريكية التي تنادي في كل ابواقها بالعدل و المساواة لكل مواطنيها.

جاءت واقعة مقتل جورج فلويد كدليل واعتراف على ان الحقد والكراهية تجاه الأقليات العرقية وعدم تجريد  الاخر من إنسانيته سلوك  لم يجهض بعد من الوعي الجمعي للمجتمع الغربي ،  وعليه تستوجب الظرفية مراجعة شاملة للتركيبة المجتمعية عن طريق عقد جديد بين الإنسان وعقله وبين الإنسان واخيه الأنسان، على ان يكون  محل العقد نبذ العنصرية والتخلي عن مبدأ التمييز والنظر الى اللون، بذلك يكون المجتمع  قد أسس لديمقراطية حقيقية، ومهد الى دبلوماسية موازية يقودها التحاور والتعايش، والتعاون، والتضامن، من أجل تحقيق  الكرامة و التساوي لكافة المواطنين على حد سواء .إلا أننا نجد  العكس حاصلا في دول عديدة حيث اكتفت بالانغلاق و قطع الطريق على المساعدات المستوردة من الصين والموجهة لدول فقيرة في مشهد أقل ما يقال عنه سرقة او قرصنة , كرسالة   مضمونها أن إنسان ذاك البلد افضل من غيره .واستمرت العنصرية حتي في تصريحات مسؤولون كبار بعبارات ينسبون فيها الفيروس الي دولة  معينة  كونها تدخل في دائرة العالم الثالث والاحتكار في عملية إيجاد لقاح لهذا الوباء.

صحيح أن الصراع بالدرجة الاول سياسي واقتصادي لكن أول من يعاني من ويلاته المجتمعات الإنسانية مما يدعو للتساؤل ما نفع  انشاء مجموعة من المنظمات الدولية وخلق العديد من الجمعيات وابرام اكتر من اتفاقية دولية  كالمنظمات العالمية لحقوق الانسان  التي تدعو  إلى نبد الكراهية والعنصرية وتطبيق حقوق الانسان وتأصيلها في جميع انحاء العالم دون النظر الى  جنسياتهم او مكان اقامتهم أو عرقهم او لغتهم او دينهم.

للإنسان  جميع الحق في الحصول على حقوقه الانسانية على قدم المساواة وبدون تمييز وجميع هذه الحقوق مترابطة  ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة  ويجب على الغير ان يحترمها تحت طائلة العقاب لكن الولايات المتحدة الامريكية رغم ان اعلان حقوق الانسان كانت تدعي الكونية فقد كانت تقصي فئة من الافراد . اذا كانت الدولة الفيديرالية الأمريكية  الفكر الدنيء القتل بمعيار الون، حيناها نجزم أن الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تخدم مصلحة الإنسانية وإنما هي شركة تجعل من البشر رأس مالها ، وارتباطا بما يحصل للسود من اصول افريقيا  و غيرها من كراهية لا يتماشى مع ما وصل اليه الإنسان من تقدم في مجال العلم والمعرفة وعولمة العالم بوسائل التواصل الاجتماعي، حيت اصبح العلم تحت غطاء واحد. فلماذا في أمريكا مازالوا يعتبرون العرق الأسود غير مرغوب فيه  وكأن سواده  يعكر لون البيت الابيض، أما اذا أخد بالمنطق الجغرافي  فالتاريخ يشهد لإفريقيا  بإسهامها في تحرير الولايات المتحدة الأمريكية من الاستعمار البريطاني واعتراف بها كدولة مستقلة حيث أن المغرب كان أول بلد في العالم اعترف باستقلالية الولايات المتحدة الأمريكية   ومنذ  ذاك  التاريخ  كان للأقليات من اصول افريقية و غيرها  سواء تعلق الأمر بالمهاجرين او بالمقيمين فوق اراضيها كانوا عبيدا او أحرارا  ، الدور الاكبر في بناء الدولة و تعبيد الطرق ووصل المدن ببعضها, مع الاسهام الكبير في الحياة السياسية و الحركة الثقافية و الادبية  الى ان وصل اول رئيس اسود أصول أفريقية  الي رئاسة الولايات المتحدة الامريكية، حيث اعتبرت بذلك بداية نهاية العنصرية، كما كان الحال عند وصول مانديلا الى الحكم، كأول رئيس أسود لجنوب أفريقيا.

لكن في امريكا سرعان ما عادت أصوات العنصرية  الى الساحة مع صعود الحزب الجمهوري  ، ومعها انتشرت  في العالم الغربي ولم تتمكن حتى كورونا من إيقافها بل ما نشاهده عبر وسائل التواصل الاجتماعي و القنوات الفضائية، يؤكد ان كورونا وضعت النقط على الحروف عندما اقترح طبيب فرنسي  تجربة لقاحات ضد فيرس كورونا في افريقيا اولا . بقوله الا يجب تجربة هذا اللقاح في افريقيا حيث لا توجد كمامات ولا علاج ولا انعاش واعتبر هذا التصريح  عنصريا في حق الأفرقة وتقزيما لأهميتهم وانسانيتهم واحقيتهم  في الحياة . هذا في زمن افريقيا محتاجة الى الدعم  المادي المعنوي والتوصيات من منظمات الصحة العالمية، لكن ما حصل هو العكس  من تصدير للعنصرية بدل  ايصال المساعدات الطبية، ووجدت الدول المحتاجة في المغرب التي عرفت بحسن الجوار و الاهتمام بالإنسان  الافريقي  وحل جسر المحبة ونبد العنصرية ,إذ اصبح المغرب البلد الصديق للقارة  الأفريقية بأكملها حيت قام العاهل المغربي بإرسال مساعدات طبية في مشهد كرس الكرامة والمحبة والابتعاد عن جميع أنواع التفرقة تماشيا مع التعاليم الاسلامية ومن هذا المنطلق  فكيف  حارب الإسلام العنصري؟

 

العدل بين النَّاسِ من أعظَمِ المَبادِئِ التي أعْلى الإسلامُ من شَأْنِها؛ فلا فَضْلَ لأحَدٍ على أحَدٍ إلَّا بحُسنِ العَمَلِ والتَّقْوى فالدين الإسلامي ، حارب العنصرية بشتى أنواعها وأشكالها منذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أعلنها القرآن الكريم صريحةً، بأن التفاضل بين البشر لا يكون إلا بميزان التقوى، مشيرين إلى أن الدين الحنيف دعا إلى القضاء على كل الفوارق والطبقات وجعل الناس كلهم سواسية وازال واذاب الفوارق التي تقوم على أساس من الجنس أو العرق أو اللون. فالعنصرية هي التفرقةُ والتمييز في المعاملة بين الناس على أساس من الجنس، أو اللون، أو اللغة، أو الدين، أو حتى المستوى الاجتماعي والطبقي ولم يبتعد العرب قبل الإسلام عن هذه النعرة، حيث كانت القبلية سائدة، والتقسيم الطبقي حاضراً، فهذا من السادة، وذاك من العبيد، وعندما جاء الإسلام نبذ هذه العنصرية ونهى عنها.

 

جاء الإسلام بمبدأ المساواة بين الناس جميعاً‏، وكان هذا المبدأ غريباً على مجتمع الجاهلية الذي أشرق فيه نور الإسلام‏، ‏فقد كان يسود هذا المجتمع العصبية القبلية، والتفاخر بالأنساب والألقاب، والتباهي بالمال والغنى، والتمييز بين الأبيض والأسود، وبين الغني والفقير، ، وكان كثير من الناس ينبؤون بمشاعر المذلة والمهانة تحت وطأة هذه التفرقة الجائرة، فانتصر الإسلام لهؤلاء البؤساء، وقرر المساواة بين الناس جميعاً لا تمييز بينهم إلا في درجة تقوى الله والإيمان به» قال  رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة  الوداع: «يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى». أن الإسلام جاء ليس كغيره من الأمم كالفرس والروم، حيث كانوا يحقرون من شأن السود ويزدرونهم، فأعطى الإسلام لكل شخص حقه واعترف بقدره، فكان بلال، العبد الأسود، أول مؤذن في الإسلام، وكان عبادة بن الصامت الصحابي الجليل أسود اللون، وقد أرسله عمرو بن العاص على رأس وفد للتفاوض مع المقوقس عظيم القبط، فاستاء المقوقس من سواد لونه وطلب من الوفد أن يفاوضه غيره، فرفضوا لأن الأمير أمره عليهم وهو أفضلهم رأياً وعلماً، الإسلام يرسخ حقوق الانسان  للمسلم وغيره، فالجميع سواء من حيث الحقوق والواجبات، وهو ما أتضح في وثيقة المدينة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم بمجرد وصوله إليها، وهي معاهدة تمثل دستورا شاملا يعالج قضايا التكامل الاجتماعي والاقتصادي والعلاقات القانونية داخل الدولة وخارجها، والسيرة النبوية المشرفة تزخر بالأمثلة والروايات التي تؤكد أن الإسلام دين السلام والتعاون، فالدولة الإسلامية في عهد الرسول عملت على مد جسور الحوار البناء والتعايش السلمي بين مواطنيها على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، وخارجها في علاقاتها مع دول الجوار، وذلك عبر توطيد العلاقات السلمية من خلال المعاهدات التي أبرمها الرسول صلى الله عليه وسلم مع مختلف القبائل والدول المجاورة، دون اعتبار لاختلاف الدين أو العرق أو اللون في الجامع في  المسألة قول ربنا في كتابه العزيز في سورة الحجرات الآية 13 (يا ايها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) صدق الله والعظيم.

 

محمد اكدي : طالب باحث في سلك الماستر في القانون العام

Exit mobile version