أكد الدكتور أحمد درداري، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، أن الخطاب الملكي السامي الموجه إلى أعضاء البرلمان بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، جاء تحت عنوان بالغ الدلالة: “المغرب الصاعد بدلالات السياسات العمومية بمحك السرعتين لامتحان العدالة الاجتماعية والمجالية”، وهو عنوان يلخص جوهر المرحلة الجديدة من البناء الوطني التي دعا إليها جلالة الملك.
وأوضح الأستاذ درداري أن الخطاب الملكي حمل مضامين غنية تؤطر الرؤية الملكية لتسريع وتيرة الإصلاح والتنمية، حيث ذكّر بدور البرلمان المحوري في مجالات التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، منوهاً في الوقت ذاته بالجهود المبذولة للارتقاء بالدبلوماسية الحزبية والبرلمانية في خدمة القضايا العليا للوطن، وداعياً إلى المزيد من الاجتهاد والفعالية في إطار التعاون والتكامل مع الدبلوماسية الرسمية.
وأشار إلى أن جلالة الملك وجه نداء صريحاً إلى أعضاء مجلس النواب من أجل تكريس روح الجدية والمسؤولية، واستكمال البرامج والمخططات التشريعية المفتوحة، والتحلي باليقظة في الدفاع عن قضايا المواطنين، مع التنبيه إلى ضرورة تفادي التناقض أو التنافس بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، لأن الهدف الأسمى هو تنمية البلاد وتحسين ظروف عيش المواطنين أينما وجدوا.
وأضاف الدكتور درداري أن الخطاب شدّد على أهمية تأطير المواطنين والتعريف بالمبادرات العمومية والقوانين التي تهم حياتهم اليومية، معتبراً أن هذه المسؤولية لا تقع على الحكومة وحدها، بل تشمل البرلمان والأحزاب السياسية والمنتخبين ووسائل الإعلام والمجتمع المدني، في إطار تعبئة جماعية لخدمة الصالح العام.
وأوضح أن جلالة الملك ربط بين دينامية “المغرب الصاعد” وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، داعياً إلى إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية كما ورد في خطاب العرش الأخير، بهدف ضمان تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأكد الأستاذ الجامعي أن جلالة الملك ركز على التنمية المحلية باعتبارها التعبير الحقيقي عن تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، وأن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية تمثلان توجهاً استراتيجياً ورهاناً مصيرياً ينبغي أن يحكم مختلف السياسات التنموية.
وشدد على أن التحول الكبير الذي ينشده جلالة الملك يقوم على أسس علمية وميدانية دقيقة واستعمال التكنولوجيا الرقمية لترسيخ ثقافة النتائج، داعياً الحكومة إلى تسريع وتيرة الاشتغال وإعداد جيل جديد من البرامج التنموية القائمة على منطق رابح–رابح بين المجالات الحضرية والقروية، مع إعطاء الأولوية لتشغيل الشباب، وتأهيل التعليم والصحة، ومحاربة هدر الوقت والإمكانات العمومية.
وأضاف أن الخطاب الملكي حدد بوضوح ثلاثة محاور أساسية لتجسيد التنمية الترابية المتوازنة:
-
العناية بالمناطق الأكثر هشاشة، خصوصاً الجبلية والواحات، من خلال سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصياتها.
-
التفعيل الجاد للتنمية المستدامة للسواحل الوطنية، وتحقيق توازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة ضمن اقتصاد بحري وطني منتج للثروة وفرص الشغل.
-
توسيع برنامج المراكز القروية الناشئة لتقريب الخدمات من المواطنين بالعالم القروي وتحقيق التماسك الترابي.
وفي تحليله، أوضح الدكتور درداري أن الخطاب الملكي تضمن نَفَساً نقدياً واضحاً للأداء المؤسساتي والسياسي الحالي، حيث أشار إلى أن “عمق الاهتمام الملكي بقضايا الوطن والمواطنين يثقل كاهل البرلمانيين والوزراء والأحزاب والسلطات العمومية”، وهو ما يعكس عدم الرضا عن بعض طرق التدبير المتجاوزة، والدعوة إلى تغيير منهجية التفكير الوطني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وأكد أن المغرب مقبل على مرحلة تجديد في حكامة التدبير الوطني، قائمة على الاستجابة لتحديات الرقمنة والمنافسة الدولية وتحسين جودة حياة المواطنين، داعياً إلى إعادة تأهيل المؤسسات المنتخبة وتطهيرها من الممارسات التي تعيق الفعالية والمواكبة، لأن البرلمان المغربي اليوم – كما قال – “أمام تحديات حقيقية ستهمش الممثلين العاجزين عن مواكبة الرؤية العامة للدولة”.
وختم الدكتور أحمد درداري تصريحه بالتأكيد على أن الخطاب الملكي يشكل خريطة طريق واضحة للمغرب الصاعد، ونداءً وطنياً من أجل تعبئة شاملة ومسؤولة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية وترسيخ دولة حديثة متضامنة تسير بخطى واثقة نحو المستقبل.

