في خطوة تعكس التحول العميق الذي تعرفه المنظومة الصحية الوطنية، شكل افتتاح المركز الاستشفائي الجامعي الدولي محمد السادس بالرباط، إلى جانب المستشفى الجامعي بأكادير، منعطفًا تاريخيًا في مسار تحديث القطاع الصحي بالمملكة، في انتظار تدشين المستشفى الجامعي بالعيون قبل نهاية السنة الجارية، ليكتمل بذلك عقد المؤسسات الاستشفائية الكبرى بمختلف جهات المغرب.
الإشراف الشخصي لجلالة الملك محمد السادس على افتتاح الصرح الصحي الدولي بالعاصمة، وتوجيهه السامي للشروع في العمل بالمستشفى الجامعي لأكادير، يحمل رسالة سياسية وتنموية واضحة: لا مجال لمغرب بسرعتين، كما شدد جلالته في أحد خطاباته، فالتنمية الصحية يجب أن تشمل كل الجهات على قدم المساواة.
وبينما تمضي المملكة في تنفيذ مشاريع كبرى على غرار تمديد شبكة القطار فائق السرعة، وبناء الطرق السيارة، وإنجاز ملاعب ومعالم رياضية عالمية، فإنها لم تُغفل الاستثمار في الصحة كركيزة للعدالة الاجتماعية، عبر إطلاق جيل جديد من المستشفيات الجامعية المجهزة بأحدث التقنيات، لتواكب التحولات الديمغرافية وتلبي الطلب المتزايد على الخدمات الطبية.
ولعل أبرز ما يميز هذه الدينامية، هو أنها تأتي استجابة فعلية لمطالب اجتماعية طالما صدحت بها أصوات الشباب في احتجاجات سلمية مطالبة بخدمات طبية تحفظ الكرامة. واليوم، تبرهن الدولة على التزامها العملي بهذه المطالب، في حين غاب عن المشهد أولئك الذين حاولوا توظيفها لأغراض سياسية أو شخصية.
مدينة أكادير التي ظلت لعقود محرومة من مستشفى جامعي يليق بمكانتها الجهوية، تستعيد اليوم موقعها كقطب صحي جهوي يخدم ساكنة الجنوب بكفاءة، بفضل منشأة طبية متطورة تُعد من الأحدث في إفريقيا، حيث تعتمد لأول مرة تقنية الروبوت الجراحي، التي تتيح تدخلات دقيقة وطفيفة التوغل مع رؤية ثلاثية الأبعاد تعزز راحة الجراح والمريض على حد سواء.
وسيستفيد من خدمات المستشفى الجامعي بأكادير أكثر من 3 ملايين نسمة، مما سيساهم في تقريب العلاجات المتقدمة وتخفيف معاناة المرضى الذين كانوا يضطرون إلى التنقل لمسافات طويلة نحو مدن أخرى لإجراء العمليات الجراحية المعقدة أو تلقي العلاجات المتخصصة.
بهذا الافتتاح المزدوج، يترسخ التوجه الملكي نحو بناء نظام صحي عصري، متكامل وتضامني، يضع المواطن في صلب السياسات العمومية ويؤسس لأمن صحي وطني مستدام.
إنه مشروع إصلاحي بحجم الوطن، يعكس رؤية ملكية متبصّرة تُعيد الاعتبار للحق في العلاج، وتؤكد أن المغرب الجديد يسير بسرعة واحدة نحو التنمية المتوازنة والعدالة الصحية الشاملة.
ولعل المفارقة البليغة في هذا التحول الصحي التاريخي، أن أولئك الذين ملؤوا الفضاءات الرقمية والشوارع بشعار “المستشفى قبل الملعب”، قد غابوا اليوم عن المشهد، بعدما برهنت الدولة بالفعل على أنها تسير وفق رؤية متوازنة تجعل الإنسان في قلب الأولويات. فالمغرب لا يبني ملاعبه على حساب صحته، بل يشيد كليهما في انسجام تام يعكس روح التنمية المتكاملة التي دعا إليها جلالة الملك.
لقد راهن بعض المشككين على بث ثقافة التبخيس والانتقاص من كل مجهود وطني صادق، لكن تدشين هذه الصروح الطبية الكبرى، بإشراف مباشر من أعلى سلطة في البلاد، أسكت الأصوات التي حاولت التقليل من العمل الجاد والمسؤول، وليؤكد أن الملعب والمستشفى معًا وجهان لعملة واحدة عنوانها “مغرب الإنجاز”.

