Site icon Chamalpress | شمال بريس

الاستخبار الوقائي المغربي.. ركيزة التعاون الأمني مع أوروبا وضمانة للاستقرار الدولي

تستمر عمليات الاستخبار الوقائي وآليات “التنسيق الدولي” في قضايا مكافحة التطرف والإرهاب والراديكالية في إثبات نجاعتها وأهميتها، وهو ما تبين مؤخرا من خلال عملية توقيف الشرطة الهولندية قاصرا بمدينة سيتارد (جنوب البلاد) للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف والراديكالية، بناء على معلومات قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

ويرى خبراء مختصون في الشؤون الأمنية والاستراتيجية أن العملية تُرسخ المغربَ قطبا إقليميا للتعاون الدولي الأمني النشط لتحييد واستباق مخاطر التهديد الإرهابي المتطرف، مبرزين أن “مساهمة المعطيات الاستخباراتية التي وفرتها الأجهزة المغربية”، حسب ما ورد في بلاغ الشرطة الهولندية، مع عدم استبعادها “اتخاذ إجراءات أخرى، من بينها ملاحقات قضائية أو توقيفات جديدة”، دليل إضافي على ذلك في مسار ممتد من الشراكات.

بعد تسجيله ارتباطا متواصلا للرباط بمجموعة من الشراكات الأمنية مع عدد من الدول الأوروبية، قرأ إحسان الحافظي، أستاذ بكلية العلوم القانونية مختص في العلوم والحكامة الأمنيين، في مساهمة المغرب في عملية اعتقال شخص يُشتبه في انتمائه إلى تنظيم إرهابي من قِبل المصالح الأمنية الهولندية، “استمرارا لهذه الشراكات، وأكيدا في الوقت ذاته للتفوق الاستخباراتي المغربي في اعتماد المقاربات الوقائية والاستباقية في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب”.

وبحسب الحافظي، مستحضرا إشارة المصالح الأمنية الهولندية إلى هذا “البعد الوقائي في عمليتها، ما يعكس أهمية المقاربة الاستباقية التي ينهجها المغرب، ولا سيّما في التعامل مع ما يُعرف بالذئاب المنفردة”، فإن المغرب “يبرهن، من خلال هذه العملية، على أن مواجهة الإرهاب تقتضي بالضرورة اعتماد مقاربة استباقية ووقائية”.

وأضاف الخبير الأمني ذاته، ضمن تصريح له، أن “من المفيد التذكير بأن المجتمعات الأوروبية، وكذلك الأجهزة الأمنية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، جرّبت نموذجا يقوم على تدريب المجتمع على الصمود، أي تهيئة المواطنين لمواجهة الهجمات الإرهابية ومحاولة التكيّف مع تبعاتها. في المقابل، يعتمد المغرب نموذجا آخر هو نموذج الضربات الوقائية والاستباقية، وهو النموذج ذاته الذي تبنّته الأجهزة الأمنية الهولندية في هذه الحالة”. وزاد بالشرح: “يقوم هذا النموذج على وجود ذاكرة استخباراتية قوية تمكّن الدول من تطوير حس أمني عالٍ في التعامل مع الجرائم الإرهابية العابرة للحدود”.

ومن النقاط المهمة أيضا، وفق المصرح نفسه، “الاستمرار في اليقظة الأمنية بوصفها جزءا من شراكات موسّعة تشمل فرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، وبلجيكا، إلى جانب دول أخرى، في إطار قنوات تعاون أمني عبر ‘الإنتربول’، أو من خلال آليات التعاون القضائي في تنفيذ مذكرات البحث وتسليم المطلوبين”.

وخلص الحافظي إلى أن “المغرب وهولندا مرتبطان باتفاق تعاون قضائي وأمني؛ فيما تُبرز هذه العملية أن المصالح الأمنية المغربية باتت تمتلك ذاكرة استخباراتية متقدمة تتيح لها الحدّ من أنشطة التنظيمات الإرهابية وإحباط مخططاتها”، منوها: “ليس هذا التفوق الأمني المغربي جديدا، بل هو تأكيد متجدد على أن المملكة المغربية، من خلال مؤسستها الأمنية، فاعل أساسيٌ وعنصر محوري في إرساء الاستقرار بين ضفتي المتوسط”.

هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، قال إن “التجربة المغربية في مجال الاستخبار الوقائي أثبتت في السنوات الأخيرة أنها واحدة من أكثر النماذج فعالية واستباقية على المستوى الدولي، حيث لا تقتصر على حماية الأمن الوطني، بل تمتد إلى الإسهام في تحصين الأمن الإقليمي والدولي، خصوصا في أوروبا”. واستدل على ذلك بكون “حالة التعاون الأمني الأخيرة بين المغرب وهولندا، التي مكنت من توقيف قاصر يُشتبه في تورطه في قضية إرهاب، ليست حادثا معزولا، بل حلقة ضمن سلسلة من النجاحات التي تجسد فعالية الرؤية المغربية في مقاربة مكافحة التطرف العنيف عبر الوقاية والرصد المبكر”.

ضمن تصريح له، شرح معتضد أن “أساس تفرُّد التجربة المغربية هو الطابع المندمج للاستخبار الوقائي؛ فالمغرب لا يتعامل مع الظاهرة الإرهابية كمجرد خطر أمني، بل كمزيج معقد من العوامل الاجتماعية والنفسية والدينية التي تتطلب معالجة شاملة. ولهذا، طورت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني آليات رصد دقيقة تدمج التكنولوجيا الحديثة بالتحليل البشري، مما يسمح بتحديد التهديدات في مراحلها الأولى، حتى قبل أن تتخذ شكلا عمليا”، مستخلصا أن “هذه المنهجية الوقائية جعلت من المعلومات المغربية مصدرا موثوقا تعتمد عليه أجهزة أوروبية بشكل متكرر”.

وأضاف: “يُدرك الشركاء الأوروبيون أن اليقظة المغربية لا تُترجم فقط في الميدان التقني، بل أيضا في البعد الإنساني الذي يميز المقاربة المغربية في التعامل مع الفئات الهشة، وعلى رأسها القاصرون. فالمغرب يتعامل مع هؤلاء ليس كتهديد مباشر، بل كضحايا محتَملين للخطاب المتطرف، ولذلك تسعى الأجهزة المغربية إلى توفير معطيات دقيقة تمكن من التدخل في الوقت المناسب لتفادي انزلاقهم نحو التطرف، وهو ما يشكل أحد أبرز مظاهر ‘الأمن الذكي’ الذي يوازن بين الحزم والوقاية”.

ولفت المتحدث إلى أن “هذه الشراكة الأمنية بين المغرب ودول أوروبية مثل هولندا، فرنسا، وإسبانيا، تعكس تحولا في مفهوم الأمن الدولي نفسه؛ فالأمن لم يعد مسألة حدود وطنية، بل شبكة تعاون عابر للقارات. والمغرب، بما يملكه من موقع جغرافي استراتيجي وخبرة ميدانية متراكمة، أصبح حلقة وصل أساسية بين الضفتين الأوروبية والإفريقية، مقدّما نموذجا للدولة التي تجمع بين السيادة الأمنية والانفتاح على التنسيق متعدد الأطراف”.

وختم معتضد بأن “هذه العملية الأخيرة تؤكد مجددا أن الاستقرار المغربي أصبح عنصرا بنيويا في الأمن الأوروبي. فبينما تواجه العديد من الدول تحديات متنامية بسبب عودة الخطاب الراديكالي وانتشار التجنيد الرقمي، يبرز المغرب كفاعل استباقي يعتمد مقاربة ‘الاستخبار من أجل الوقاية’، لا ‘الاستخبار بعد الفعل’. هذه الفلسفة الأمنية الاستباقية هي التي جعلت من المملكة شريكا لا غنى عنه في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، وضمان الأمن في ضفتي المتوسط”.

Exit mobile version