إنه لمن الحتمي بما كان أن يتم الضرب بيد من حديد على كل من سولت له نفسه أن يتماهى مع الفساد بمختلف تجلياته، وذلك عن طريق إنفاذ القانون، بغض النظر عن الصفة المهنية أو حتى الانتماءات السياسية للمتورطين.
فمنذ أمس الخميس 21 دجنبر 2023 ولا حديث بين رواد منصات التواصل الاجتماعي إلا عن قضية اعتقال كل من عبد النبي بعيوي، رئيس جهة الشرق بمعية شقيقه عبد الرحيم بعيوي، رئيس جماعة الصفا بوجدة، فضلا عن سعيد الناصيري، بصفته رئيسا لنادي الوداد البيضاوي ورئيس مجلس عمالة أنفا، على خلفية تورط المعنيين بالأمر في ملفات فساد تتوزع بين التزوير في محررات رسمية وعرفية، والمشاركة في الاتجار في المخدرات، وكذا منح وقبول رشاوى في إطار ممارسة الوظيفة وتسهيل خروج أشخاص من التراب الوطني في إطار عصابة.
وبفعل جسامة التهم المذكورة أعلاه، فقد استغرق البحث التمهيدي أشهر لتفكيك خيوط قضية تداخلت فيها الصفة المهنية بالصفة السياسية لقضاء مآرب ومنافع شخصية في خرق سافر للقانون. وبعد انقضاء البحث التمهيدي، قرر الوكيل العام للملك لدى استئنافية الدار البيضاء إحالة المتهمين على قاضي التحقيق، مساء أمس الخميس، والبالغ مجموعهم 25 متهما، بمن فيهم الإخوان بعيوي والناصيري، واعتماد مسطرة إغلاق الحدود وسحب جوازات السفر في حق أربعة متهمين، وإخضاعهم للمراقبة القضائية.
وفي ختام جلسات الاستنطاق الأولي، أصدر قاضي التحقيق قرار الإيداع بالسجن في حق المتهمين الذين تابعتهم النيابة العامة في حالة اعتقال، ومن بينهم عبد النبي بعيوي وشقيقه عبد الرحيم بعيوي، وسعيد الناصري وموظفي شرطة ودركيين ورجال أعمال.
القضية وكل ما رافقها من جدل منذ الساعات الأولى التي تفجرت فيها، طرحت للنقاش من جديد مسألة ربط المسؤولية بالمحاسبة في أفق القطع مع ممارسات ريعية قد تعود بالبلاد خطوات إلى الوراء. ومن هذا المنطلق، فقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك أن سرعة تفاعل السلطات مع ملف تاجر المخدرات الدولي المشهور بـ “إسكوبار الصحراء” والمعتقل بسجن الجديدة قبل نقله إلى سجن عكاشة والذي اتهم مجموعة من الشخصيات، ضمنها سعيد الناصري وعبد النبي بعيوي، بالاستيلاء على ممتلكاته العقارية، (تأكد) أن الدولة ماضية في سياسة تجفيف منابع الفساد المالي وجرائم استغلال الصفة لارتكاب تجاوزات يعاقب عليها القانون الجنائي. ناهيك عن كون القضية وما يماثلها من جرائم سابقة تخص ملفات فساد مالي لشخصيات سياسية وحزبية أو حتى موظفون عموميون في مؤسسات أمنية ورجال أعمال تضع المغاربة على حد قدم المساواة أمام القانون تنزيلا لمبدأ “اللي حصل يودي”.
وتكريسا للمصداقية في كافة مؤسسات الدولة، فقد انخرطت الأحزاب السياسية التي تنتمي لها أمثال هذه الشخصيات في إجراءات عملية، على غرار حزب الأصالة والمعاصرة الذي جمد عضوية عبد النبي بعيوي بمجرد انطلاق البحث التمهيدي في هذه القضية حتى يتسق قولا وفعلا مع مقتضيات قانونه الداخلي ويلتزم الحياد التام إلى أن يفصل القضاء في ملفات الماثلين أمامه.
وبخلاف قانون الغاب الذي رفع شعاره زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران، وهو يدافع عن ابنه المدلل عبد العالي حامي الدين المتورط في مقتل الطالب القاعدي بنعيسى أيت الجيد. ولعتق رقبة ابن العشيرة من المسائلة القانونية، ترك بنكيران للتاريخ مقولة عميقة مفادها “لن نسلمكم أخانا” متحديا العدالة غير آبه بشعور عائلة الفقيد الذي قضى نحبه مغدورا على يد عبد العالي حامي الدين و القيادي في صفوف جماعة العدل والإحسان، عمر محب المحكوم سابقا ﺑ 10 سنوات سجنا نافذ على ذمة نفس الملف.
وتأسيسا على ما سبق، لم يكن تكليف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمهمة البحث في هكذا خرقات أمرا اعتباطيا، بل يجد مبرراته في تشابك خيوط هذه الجرائم الموسومة بالتعقيد. وبالتالي، كان لزاما إسناد مهمة البحث والتقصي المعمق فيها إلى هذه الفرقة ضمانا لإرساء مبادئ الإنصاف والعدالة الجنائية.
تعليقات الزوار ( 0 )