في زمن التحولات الإقليمية المتسارعة، وتحت ضغط الأجندات الخارجية التي تتربص باستقرار الأوطان، تزداد أهمية الوعي السياسي والدستوري بالمواطنة، وتتعزز الحاجة إلى تعبئة جماعية تستند إلى المرجعية الدستورية الواضحة وهي الدفاع عن الوحدة الوطنية كواجب مقدس عند جميع المواطنات والمواطنين، كما ينص عليه دستور المملكة المغربية.
ومن موقعي كباحث في القانون الدستوري وعلم السياسة، أقول أن الوطن لا يُحمى فقط بالنصوص، بل بالضمير الحي الذي يعي جيدا التحولات، ويواكبها انطلاقا من مبادئ مكتوبة التي على إثرها تتحدد السلوكات والمواقف التي ترتبط بالفضاء العمومي، وعلى مستوى شبكات التواصل، وفي كل ماله علاقة بتمثيل الوطن، سواء في المحافل الدولية أو في الحياة الوطنية اليومية.
واليوم، آن الأوان لأن نرتقي في فهمنا لمعنى المواطنة، وأن نميز بين من يحمل هم الوطن، ومن يتخذه مطية لتحقيق مآربه الشخصية أو الدخول في مزايدات موسمية تظر بالمصلحة الاستراتيجية للبلاد. حيث أننا نعيش في زمن كثرت فيه الادعاءات المغرضة وقل فيه الإخلاص، حيث تبرز أمامنا الحقيقة واضحة ومتمثلة في كون أساس المواطنة هو الدفاع عن قضايا الوطن، لا بالخطابات الفضفاضة، بل بالاصطفاف الوطني الصادق، والتعبئة الوطنية الجامعة، والإيمان بأن للوطن قضيته الأولى التي لا تحتمل التشتت ولا المجاملة.
فالوطنية ليست شعارا يُرفع عند الضرورة، وليست صورة نلتقطها في مواسم معينة. بل الوطنية هي التزام دائم ومسؤولية راسخة، تبدأ من إدراك أن دعم المغرب ليس مِنة من أحد، ولا مكافأة مجانية، بل هو واجب وطني لا يُطلب عليه مقابل. فالوطن لا يعطيك لأنه مُلزم، بل لأنك منه، وهو عليك، وأنت له وهو لك. والخطر الحقيقي لا يكمن في العدو الظاهر، بل في المتلون كالحرباء، الذي يقف مع الوطن عند المصلحة، ويختفي حين تشتد العواصف، ثم يعود ليغني على مقامات النفاق العام، ويطعن في ظهر الوطن وهو يتبسم.
إننا اليوم أمام مرحلة دقيقة، لا مجال فيها للمواقف الباهتة. فإما أن نكون مواطنين حقيقيين نخدم وطننا، أو نكون في الجهة المقابلة، عن وعي أو جهل، عن قصد أو بغير قصد، إما شركاء في حماية المغرب أو نبقى طابورا خامسا يرقص على آلامه، ويطعن في مكتسباته.
لقد أكدت التجربة على أن الدبلوماسية المغربية ليست فقط ظرفية، بل هي شاملة ودائمة، تبدأ من المؤسسة الملكية لتشمل كل المؤسسات المختلفة، عبر المنبر الديني والاعلامي، الفني والرياضي والعلمي والاقتصادي والسياسي والمدني والاكاديمي…، وكذلك كل مواطن يحمل في قلبه حب الوطن. فالجميع سفراء لوطن واحد، وكلنا مسؤولون عن الدفاع عنه.
وإذا كان الأعداء قد دخلوا مرحلة التعبئة الكاملة ضد مصالح المغرب، فإن واجبنا كمغاربة اليوم، علينا أن نتعبأ، لا بردود الفعل، بل بمبادرات مسؤولة، بكلمة صادقة وصورة معبرة، وسلوك يعكس أصالة الهوية المغربية الراقية. فقضيتنا ليست موضة إعلامية، بل وجود مصيري، عنوانه الوحدة الترابية الوطنية، ومضمونه كرامة وطن ومواطن.
فالخيانة لامكان لها في وطننا، حتى وإن وجد الخونة الذين يحاولون جر البلاد إلى التهلكة، وضرب الثقة في ثوابت الأمة المغربية المتعددة الروافد الثقافية، فالوحدة الترابية لن تُحمى فقط من فوق الخريطة، بل من داخل النفوس أيضا، ومن قِبَل مواطنين يجيبون عن سؤال: بماذا سأساهم في نهضة وطني؟
إن مغرب اليوم لا ينقصه الذكاء ولا الكفاءات، نظرا لوجود شباب مبدع، وأرض معطاءة ومباركة، لكننا في حاجة إلى استنهاض الضمير الوطني الحي، واستثمار الإيمان الجماعي بأهمية الوطن الذي لا يُحمى بالكلام، بل بالمواقف، وبروح المسؤولية والفعل المنتج.
أمين نشاط
باحث في سلك الدكتوراه، متخصص في القانون الدستوري وعلم السياسة
تعليقات الزوار ( 0 )