-
°C
weather
+ تابعنا
Description de l’image

إلغاء عيد الأضحى والآثار النفسية على الفقراء

كتب في 4 مارس 2025 - 1:04 ص

في مجتمع مشبع بالتقاليد والموروثات الدينية والاجتماعية كالمجتمع المغربي، يشكل عيد الأضحى محطة سنوية ذات أهمية كبرى، ليس فقط من الناحية الدينية بل أيضًا كرمز اجتماعي مرتبط بقيم الرجولة، المسؤولية، والتكافل الأسري…. غير أن هذه المناسبة التي يُفترض أن تكون مصدر فرح وتقارب بين الأهل، تتحول في كثير من الأحيان إلى كابوس مرعب للفقراء الذين يجدون أنفسهم في مواجهة ضغوط مادية ونفسية تفوق طاقتهم.

قرار إلغاء عيد الأضحى الذي سبق أن اتخذته الدولة المغربية عام 1996 ويعاد طرحه اليوم، يثير العديد من التساؤلات حول تأثيره على الفئات الهشة، خصوصًا من الزاوية النفسية والاجتماعية، حيث يرتبط العيد في المخيال الجماعي بقيم اجتماعية راسخة تجعل عدم القدرة على التضحية أزمة تتجاوز الجانب المالي لتصل إلى المسّ بالكرامة الذاتية للرجل في بيئته العائلية.

  • العيد بين الفرحة والعبء النفسي

بالنسبة لكثير من الأسر الفقيرة لا يمثل عيد الأضحى مناسبة احتفالية بقدر ما هو اختبار صعب للقدرة على التكيف مع الأعراف الاجتماعية.

فالرجل الذي يعتبر في الثقافة المغربية المعيل والمسؤول الأول عن تلبية حاجيات أسرته يشعر بضغط هائل عندما لا يستطيع شراء الأضحية هذا الضغط قد يتحول إلى معاناة نفسية حادة تؤدي في بعض الحالات إلى الاكتئاب، العزلة، أو حتى الانتحار. في مناسبات عديدة وثّقت تقارير إعلامية حالات رجال أقدموا على إنهاء حياتهم بعد فشلهم في توفير الأضحية خاصة في البيئات القروية أو الأحياء الشعبية حيث يكون الحكم الاجتماعي قاسيًا يصل لدرجة الوصم ولا يرحم من يعجز عن مجاراة التوقعات.

يشعر الكثيرون بأن رجولتهم تُقاس بقدرتهم على توفير الأضحية، وعندما يعجزون عن ذلك يدخلون في دوامة من المشاعر السلبية، تبدأ بالإحباط وقد تصل إلى مراحل خطيرة من الاكتئاب الحاد. فالمجتمع يكرّس هذه الضغوط من خلال النظرات المستهجنة أو العبارات الجارحة التي يتعرض لها الشخص الذي لا يضحّي، ما يجعله يشعر وكأنه أقل شأنًا من الآخرين.

  • هل يمكن لقرار إلغاء العيد أن يخفف من المعاناة النفسية؟

قرار إلغاء عيد الأضحى قد يكون من منظور نفسي واجتماعي، خطوة إيجابية للفئات الهشة لأنه يرفع عنها عبئًا نفسيًا ثقيلًا.

فعندما يكون الإلغاء عامًا وشاملًا، لن يشعر الفقراء بأنهم وحدهم من يعجزون عن شراء الأضحية، مما يخفف من الشعور بالخجل والإحراج.

في عام 1996 عندما قرر الملك الراحل الحسن الثاني إلغاء العيد بسبب أزمة الجفاف، استقبلت بعض الفئات القرار بارتياح لأنهم شعروا أن الضغط الجماعي قد زال وأنهم لن يكونوا مضطرين لمواجهة أحكام المجتمع.

لكن على الجانب الآخر هناك من يرى أن مثل هذا القرار قد يثير ردود فعل متباينة خاصة بين من يعتبرون العيد جزءًا من الهوية الدينية التي لا يجب المساس بها.

في هذا السياق يرى بعض المتابعين أن “إلغاء العيد قد يكون مريحًا ماديًا للبعض، لكنه قد يولّد إحساسًا بالنقص لدى آخرين، خصوصًا من يعتبرون التضحية واجبًا لا يرتبط فقط بالقدرة المالية بل بالقناعة الشخصية و الدينية .”

  • الابتزاز الاقتصادي وراء ارتفاع أسعار الأضاحي

إلى جانب الضغوط النفسية والاجتماعية، يعاني المغاربة أيضًا من استغلال التجار والمضاربين (الشناقة) في سوق الماشية.

فمع اقتراب العيد تتحول الأسواق إلى ساحة للمضاربة، حيث يقوم بعض السماسرة بشراء أعداد كبيرة من الأغنام ثم إعادة بيعها بأسعار مضاعفة، مستغلين الطلب الكبير وضعف آليات الرقابة هذه الممارسات تجعل أسعار الأضاحي ترتفع بشكل صاروخي، ما يفاقم معاناة الفقراء الذين يجدون أنفسهم أمام خيارين كلاهما مر إما الاستدانة أو الشعور بالإقصاء الاجتماعي.

في السنوات الأخيرة انتشرت تقارير حول كيف يسيطر بعض الوسطاء على سوق الأضاحي، حيث يشترون الماشية من الفلاحين بأسعار منخفضة ثم يرفعونها بشكل مبالغ فيه في الأيام الأخيرة قبل العيد.

هذا الاحتكار إلى جانب غلاء الأعلاف وارتفاع تكاليف النقل، يجعل أسعار الأضاحي تصل إلى مستويات غير مسبوقة ما يزيد من إحساس الفئات الهشة بالظلم والعجز.

  • المظاهر الاجتماعية للضغوط النفسية في عيد الأضحى

بالإضافة إلى الضغط المباشر على الأفراد، تساهم العادات الاجتماعية في تعميق الأزمة النفسية لمن لا يستطيعون شراء الأضحية. فالمقارنات بين الجيران والتفاخر بحجم الأضحية وسعرها، تجعل العيد في بعض الأحيان استعراضًا اجتماعيًا أكثر منه مناسبة دينية.

فالكثير من الأسر تفضّل الاستدانة أو حتى بيع ممتلكات ثمينة بدل أن تواجه العيد دون أضحية، وهو ما يعكس عمق الأزمة النفسية التي يخلقها هذا الحدث حيث ان في احدى الروبورتاجات حول اجواء عيد الاضحى للسنة الفائتة على احدى القنوات الفضائية المغربية تقول سيدة ، وهي ربة بيت تعيش في حي شعبي بالرباط: “زوجي لا يعمل منذ شهور، ومع ذلك لا يمكننا تخيل العيد بدون أضحية، لأن الأطفال ينتظرونها والجيران سيسألون حتى لو اضطررنا للاقتراض، سنشتريها.” هذا التصريح يكشف كيف أن الضغوط المجتمعية تجعل بعض الأسر تتخذ قرارات مالية غير عقلانية فقط لتجنب نظرات الآخرين.

  • بين الدين والمجتمع: هل يمكن إعادة التفكير في مفهوم العيد؟

الإسلام، كدين لم يجعل الأضحية واجبًا على كل مسلم، بل وضع شرط القدرة المالية، بحيث لا يُطلب ممن لا يملك المال أن يضغط على نفسه من أجل الذبح.
لكن في المجتمعات التي تختلط فيها التقاليد بالدين يصبح العيد طقسًا اجتماعيًا ملزمًا، تتساوى فيه الفئات الغنية والفقيرة من حيث التوقعات رغم الفجوة المالية بينهما.

في هذا السياق يرى بعض الباحثين أن هناك حاجة لإعادة التفكير في مفهوم العيد، بحيث يتم التركيز أكثر على قيم التضامن والتكافل بدل التركيز على الذبح كممارسة استهلاكية.

في دول أخرى مثل تركيا وماليزيا، يتم تشجيع التبرع بثمن الأضحية للجمعيات الخيرية كبديل اجتماعي مقبول، لكن في المغرب لا تزال هذه الأفكار تواجه مقاومة اجتماعية.

  • هل يمكن أن يصبح إلغاء العيد خطوة نحو راحة نفسية للفقراء؟

إلغاء عيد الأضحى سواء كان بدافع الأزمة الاقتصادية أو لأي سبب آخر، يفتح باب النقاش حول البعد النفسي لهذه المناسبة وتأثيرها على الفئات الهشة. فبينما يرى البعض أن القرار قد يخفف من الأعباء النفسية والمادية على الفقراء، يعتبره آخرون مساسًا بالتقاليد والعادات.

وفي كل الأحوال يبقى الأهم هو البحث عن حلول تضمن توازنًا بين الاحتفال بالمناسبة دون أن تتحول إلى عبء نفسي يدفع البعض إلى الاكتئاب أو حتى الانتحار. وهل يمكن أن يتغيّر الوعي الجمعي حول العيد؟ أم أن الضغوط الاجتماعية ستظل دائمًا أقوى من أي قرار رسمي؟

بقلم: محمد أمين أكري

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .