تحولت احتفالات فاتح ماي لهذا العام إلى نسخة باهتة من تظاهرات الماضي، خالية من الزخم النضالي ومفرغة من أي مضمون يعكس فعلاً معاناة الطبقة العاملة المغربية. مدن المملكة، وعلى رأسها العاصمة الرباط، بدت وكأنها في استراحة رمزية من الالتزام النقابي، حيث مر اليوم العالمي للعمال في أجواء باردة، يطغى عليها التكرار والاجترار، بدل أن تكون مناسبة للصراخ في وجه السياسات المُفقِرة ومظاهر الاستغلال المزمن.
في الدار البيضاء وحدها ظهرت بعض بوادر الحماسة، لكن حتى هناك، سرعان ما خفتت تحت وقع شعارات مكرورة وهتافات فقدت صداها. أما باقي المدن، وعلى رأسها الرباط، فقد عكست مستوى غير مسبوق من التراجع في التعبئة والتنظيم. منصات متداعية، تجهيزات رديئة، وحضور باهت لم يتعدَ حفنة من النقابيين الذين بدوا كأنهم أُكرهوا على أداء طقوس ميتة باسم الوفاء للتقليد.
ووسط هذا المشهد الكئيب، اختارت جل النقابات أن ترفع الأعلام الفلسطينية وتردد شعارات التضامن مع القضية الفلسطينية، وكأنها تحاول إخفاء عجزها عن مواجهة التحديات الحقيقية التي تخنق العمال داخل المغرب. بل تحولت المناسبة – في مشهد عبثي فجّ – إلى مهرجان سياسي لا علاقة له بقضايا الشغل، حيث ارتفعت أصوات تُمجّد الصمود الفلسطيني بينما صمتت تماماً أمام تدهور القدرة الشرائية، واستفحال الهشاشة، وانهيار منظومة الحماية الاجتماعية، وغياب الحد الأدنى من العدالة المهنية.
ما جرى كان مهزلة حقيقية، إذ بدا وكأن الشغيلة المغربية قد اختُزلت إلى مجرد ديكور خلفي لصوت لا يُعبر عنها. أن تتحول النقابات إلى منابر خارجية تستثمر رمزية عيد الشغل في دعاية سياسية أجنبية، فذلك يُعد خيانة ضمنية للأمانة التي وُجدت من أجلها وهي الدفاع عن كرامة العامل المغربي.
والمثير للسخرية أن من كانوا يُفترض بهم رفع مطالب الزيادة في الأجور، والتغطية الصحية، ومحاربة استعباد القطاع الخاص، كانوا يرفعون شعارات “تحيا غزة”، وكأنهم في وقفة تضامنية وليست ساحة نضال عمّالي.
الرسالة كانت واضحة من الشغيلة المغربية وهي قطيعة شبه تامة مع هذا الشكل التقليدي البالي للاحتفال. عدد كبير من العمال قرروا مقاطعة هذه “الفرجة النقابية” واستغلوا اليوم في السفر مع أسرهم أو الراحة، في تعبير صامت لكنه صادق عن رفضهم للخطاب النقابي المتآكل والعاجز عن التغيير.
لقد بات واضحاً أن النقابات فقدت القدرة على التأثير أو حتى الإقناع، وأن فاتح ماي لم يعد عيداً للشغل بقدر ما أصبح عرضاً مسرحياً رديئاً يُعاد كل عام بلا جمهور، وبلا قضية حقيقية، سوى تلك المستوردة لتغطية فشل محلي صارخ.
تعليقات الزوار ( 0 )