-
°C
weather
+ تابعنا

نظام الحكم الذاتي المغربي في ضوء التجارب المقارنة

كتب في 14 نوفمبر 2025 - 12:30 م

تقوم دولة الجهوية الموسعة أو دولة اللامركزية السياسية على منح سكان بعض الأقاليم حكما ذاتيا يحدد الدستور نوع الاستقلالية وطبيعة العلاقة بين الدولة والجهة أو الإقليم النموذجي، وكذلك نوع ومستوى الصلاحيات التنفيذية والتشريعية دون الاصطدام بينهما، وتبدو الدول الديمقراطية المعاصرة أنها اتجهت نحو اللامركزية السياسية للحفاظ على الوحدة الوطنية، حيث نجد نماذج دولية أخذت بالحكم الذاتي، ومن الأمثلة على ذلك نجد:

1- دولة إسبانيا التي تُسمّى دولة الجهات ذات الحكم الذاتي من خلال جهة كتالونيا، وجهة الباسك، حيث نص دستور 1978 في المادة 2 على الجهات القومية والثقافية ومنحها صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة في مجال التعليم والصحة، بينما الأمن الداخلي فبقي خاضعًا لوحدة الدولة وسيادتها، إلا أنه ما تزال نزعة الانفصال تلوح في الأفق رغم التنمية الجهوية القوية، فتظهر أحيانًا توترات سياسية في كتالونيا.

2- دولة كندا، هناك إقليم كيبيك الذي يعيش نوعًا من الحكم الذاتي وقد سبق أن طالب بالاستقلال عدة مرات عن دولة كندا، وتم إجراء استفتاء من طرف الشعب الكندي وجاءت النتيجة معارضة للانفصال. ويمنح دستور الدولة لـ1867 إضافة إلى اتفاقيات، صلاحيات واسعة لسلطات إقليم كيبيك في اللغة والتعليم والثقافة، ويؤطر علاقتهما التعاونية القائمة على الحوار الفدرالي، حيث نجح في حفظ الوحدة رغم النزعة الانفصالية للإقليم.

3- دولة إيطاليا اعتمدت على الأقاليم الخاصة كإقليم صقلية، سردينيا، وترينتينو… حيث نص دستور 1948 في المواد من 116 إلى 133 على صلاحيات موسعة في مجال الضرائب والتعليم واللغة، وبقيت تابعة جزئيًا للحكومة المركزية في الدفاع والسياسة الخارجية، وتم التراجع عن النزعات الانفصالية رغم التفاوت في التنمية.

4- دولة فنلندا منحت جزر آلاند بقانون الحكم الذاتي 1920 المحدث سنة 1991، سلطة تشريعية محلية كاملة في التعليم والاقتصاد والثقافة، بينما السيادة والدفاع بقيتا بيد الدولة المركزية، مما حقق نجاحًا كاملاً واستقرارًا تامًا، وأصبح نموذجًا يحتذى به.

5- دولة سويسرا التي تعتمد على الكانتونات، فقد نص دستور 1999 على أن دولة سويسرا هي فدرالية ديمقراطيتها مباشرة، ومنحت الكانتونات صلاحيات تشريعية وإدارية وقضائية كبيرة، وتحكمها بالدولة علاقة تشاركية تقوم على الفدرالية التعاونية، وتمثل نموذجًا متوازنًا ومستقرًا سياسيًا واقتصاديًا.

6- المملكة المتحدة التي فوّضت الحكم الذاتي لإقليم إسكتلندا، ويلز، وإيرلندا الشمالية بقوانين التفويض منذ 1998، حيث منحتها صلاحيات تشريعية محلية في معظم المجالات الداخلية، بينما احتفظ البرلمان البريطاني بالسيادة النهائية، كما عمل على تعزيز المشاركة السياسية، لكن الجدل حول الانفصال ما يزال مستمرًا.

7- دولة الهند فقد اعتمدت على نظام الولايات والمناطق ذات الوضع الخاص كإقليم كشمير، ونص الدستور الهندي 1950 في المادتين 370 و371 على منح صلاحيات تشريعية وتنفيذية للولايات، بينما الحكومة الفدرالية تملك سلطة الطوارئ الواسعة، لمواجهة تحديات التوازن بين التنوع والوحدة.

8- دولة الدنمارك أيضًا منحت الحكم الذاتي لغرينلاند وجزر فارو، وسنت قوانين الحكم الذاتي (1948، 1979، 2009)، وحددت صلاحيات واسعة في الإدارة والتشريع المحلي، بينما تحتفظ كوبنهاغن بالدفاع والسياسة الخارجية، وحققت الاستقرار والتنمية وتحققت إدارة ناجحة للمناطق البعيدة.

واليوم التحق المغرب بالدول المتقدمة التي عملت على تصريف مشاكلها الداخلية بمنح الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية للمملكة، وقد قدم المغرب هذا المقترح وفق ميثاق الأمم المتحدة سنة 2007، وتم حسمه أمميًا بقرار 2797 بتاريخ 31 أكتوبر 2025.

والحكم الذاتي المغربي يمنح للجهات الثلاث بالصحراء المغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.

وعملية تنزيل نظام الحكم الذاتي في أقاليم الصحراء المغربية تقتضي التوافق بين البوليساريو والمغرب، الذي يجد أساسه في قاعدة تبعية الجزء للكل وإذعان الأقل أهمية للأعلى أهمية، بمعيار فصل الزيف عن الحقيقة وتمييز الأنفع عن الأقل نفعًا، كالمقارنة بين الديكتاتورية والديمقراطية.

فالنقاش المستفيض لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار التخويف الموجود في مخيمات تندوف بسبب هيمنة أسطوانة نظام العسكر على الآراء والمواقف، على عكس حرية التعبير التي تتوفر تحت سقف الوحدة المغربية. ونظام الحكم الذاتي يفصل بين شعارات الثورة الكاذبة وواقعية التعددية الحزبية التي تستوعب كل الأفكار السياسية، وتتنافس ضمن عملية انتخابية تسمح بالتداول على السلطة وفق شروط متفق حولها مثل الإقرار بشرعية نظام الدولة السياسي وضمان بطاقة العودة وممارسة سلطات محدودة.

فالمرحلة الحالية المحددة في ستين يومًا كأجل لإنهاء هروب الجزائر من حقيقة الوضع السياسي الذي فرضته الأمم المتحدة، تبقى مهمة لإنهاء النزاع المفتعل، وتغيير مسار المفاوضات بين البلدين الجارين، وأيضًا بالنسبة لدول اتحاد المغرب العربي وحتى بالنسبة لدول الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية وغيرها.

فالمنهج المغربي تحكمه الرؤية التشاركية التي تتمثل في توسيع الاستشارة مع الأحزاب، مما يعكس معاني تاريخية وسياسية واستراتيجية تمنح لكل المكونات الوطنية حق إبداء الرأي، ويؤسس بذلك لمرحلة توافقية جديدة بعد الاعتراف الأممي بمغربية الصحراء، وتأسيس القرار الأممي 2797 لحدث الوحدة الوطنية الذي ينسجم ويتوافق مع الإجماع الوطني حول الثوابت الوطنية.

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .