لم يعد ما يقع بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمرتيل يصنف في خانة التعثرات الظرفية أو الهفوات التنظيمية العابرة، بل أضحى عنوانًا واضحًا لفشل إداري متراكم في تدبير أحد أكثر الملفات حساسية داخل الجامعة العمومية، ويتعلق الأمر بامتحانات الولوج إلى سلك الماستر بصيغة “الزمن الميسر”. فإعلان عميدة الكلية عن تعليق هذه الامتحانات في انتظار برمجة لاحقة، دون تحديد سقف زمني واضح أو تقديم مبررات دقيقة، لم يكن سوى حلقة جديدة في مسلسل الارتباك الذي طبع هذا الملف منذ الإعلان عنه.
القرار، الذي نزل كصدمة على مئات المترشحين الموظفين، كشف مرة أخرى غياب الرؤية، وانعدام التخطيط الاستباقي، والاستخفاف الواضح بانعكاسات القرارات الإدارية على فئة تكبدت عناء السفر من مدن مختلفة، واضطرت إلى أخذ رخص من العمل، وحجز المبيت، وترتيب التزامات مهنية وأسرية معقدة، فقط من أجل اجتياز مباراة كان يفترض أن تكون مؤطرة بضوابط واضحة، وبرمجة دقيقة، ومنسجمة مع طبيعة “الزمن الميسر”.
وما يزيد من خطورة الوضع أن هذا الفشل لم يكن مفاجئًا أو غير متوقع، بل سبقت إليه جريدة شمال بريس من خلال معالجتها الصحفية المبكرة للاختلالات التي شابت تدبير هذا الاستحقاق، حين نبهت، بوضوح ومسؤولية، إلى إعلان امتحانات دون نشر اللوائح، وإلى حالة الغضب والاحتقان التي سادت في صفوف المترشحين. ورغم أن الضغط الإعلامي أسفر لاحقًا عن نشر لوائح المدعوين، فإن ذلك لم يكن سوى معالجة سطحية لمشكل أعمق، سرعان ما انفجر من جديد مع قرار تعليق الامتحانات.
إن تعليق مباراة الولوج لا يمكن قراءته إلا باعتباره اعترافًا غير معلن بالعجز عن تدبير الملف، وفشلًا ذريعًا في احترام أبسط قواعد التنظيم الإداري، من حيث البرمجة، والتواصل، وتقدير الأثر، وتحمل المسؤولية. فالإدارة التي تعلن عن مباراة ثم تعجز عن تنظيمها في موعدها، دون توضيح للرأي العام الجامعي، إنما تعمق أزمة الثقة، وتكرّس صورة الارتجال بدل الحكامة.
والأخطر من ذلك أن هذا التخبط لا يسيء فقط إلى المترشحين، بل يضرب في العمق مصداقية الجامعة العمومية، ويحول الولوج إلى سلك الماستر إلى مسار غامض تحكمه القرارات المتأخرة وردود الأفعال، بدل الضوابط القانونية والمعايير الأكاديمية، في تعارض صريح مع التوجيهات الصادرة عن رئاسة جامعة عبد المالك السعدي ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ومع المجهودات الإصلاحية المبذولة لتأهيل الجامعة العمومية، وترسيخ مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية في الولوج إلى التكوينات الجامعية. وهو ما يجعل من “الزمن الميسر”، الذي أحدث أساسًا لتوسيع قاعدة الولوج وتكريس الإنصاف، عبئًا إضافيًا على الفئات التي يفترض أن يستهدفها.
أمام هذا الواقع، تبرز أسئلة مشروعة لا يمكن القفز عليها: من يتحمل المسؤولية عن هذا الارتباك المتكرر؟ من صادق على برمجة غير جاهزة؟ ولماذا يتم الاستمرار في اتخاذ قرارات مصيرية دون أي تقدير لعواقبها القانونية والاجتماعية؟ إن تكرار الأخطاء يسقط مبررات حسن النية، ويحول سوء التدبير من استثناء إلى نهج قائم بذاته.
ومنه، فإن استمرار الصمت المؤسسي، وغياب أي مساءلة واضحة، يفتح الباب أمام مزيد من العبث الإداري، ويهدد الثقة في منظومة التكوين الجامعي برمتها. وهو ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من الجهات الوصية، ليس فقط لتصحيح مسار مباراة واحدة، بل لإعادة الاعتبار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المؤسسات الجامعية.
وإذ تواصل شمال بريس تتبعها لهذا الملف، فإنها تؤكد مرة أخرى أن دور الإعلام لا يختزل في نقل البلاغات، بل في كشف الاختلالات، والدفاع عن حق المترشحين في مسار أكاديمي منظم وعادل، والتنبيه إلى أن العبث الإداري، حين يترك دون محاسبة، يتحول إلى قاعدة لا استثناء.

