المكان ليس مجرد فضاء لبيع السمك، “رمويي” تاريخ مدينة، “أمزروي ن #الريف، تاريخ أجداد وآباء وأبناء قاوموا في كل الفصول من أجل لقمة العيش وتربية الأبناء، تاريخ كفاح ونضال من أجل الكرامة #إيمازيغن، وكتابة سطور سرمدية على صفحات التميز تظل موشومة وكنزا لا يقدر بثمن.
عشقت البحر وفي دمي تجري دماء قراصنة “بقيوة” ومغامراتهم بالخصوص في “بوسكور”، الميناء يذكرني بمرحلة امتدت من العمر سنوات، كنت تلميذا بمدرسة عبد الله بن ياسين بحي مرموشة، ولأن هذا الحي يعتبر منطقة بانورامية، كان بإمكاننا مراقبة تفاصيل كثيرة من حياة البحر، هدوء وأمن المدينة الضارب في العمق والذي يشهد به كل من زار “بيا”، صوت المراكب (باكاث، طراخينيات…) وهي محملة بما جاد به البحر على مقربة من مدخله في الساعات الأولى من الصباح الذي يمحو آخر ما تبقى من أثر الليل، ملامح من وجوه لبحارة شجعان كرماء بلا حدود، ونساجون هنا وهناك يقتعدون حزم الشباك المهملة يعيدون حبك خيوط شباك امتدت إليها حيتان أو ما شابه.
الأطنان من السمك المختلف الطري ذو المذاق الخيالي، لا يحتاج إلى بهارات نادرة ليتحول إلى ما يشبه قطعة الحلوى، كان آخر فصل من عملية إفراغ الشباك فرصة لنا للبحث عن سمكة ما تزال تصارع من أجل البقاء ومحاولة إخراجها بكل الطرق بأصابعنا الطفولية حينها، تتحول رؤوسنا حينها إلى ما يشبه قطع الثلج من أثر الزعانف، أولى الأفكار من أجل الاعتماد على النفس والكسب، وخلق علاقة أشد حميمية مع البحر، لم نكن نهاب الارتماء داخل المراكب نفسها ولو تعرضنا للعقاب من “الرايس” أو غيره.
سمعت الكثير عن معامل تصبير السمك “صلاديروس” التي كانت تشغل بدورها يدا عاملة مهمة خاصة من النساء، البحر يجود بالخير العميم على الناس، معظم البحارة كانوا يتقاسمون حصتهم من سمك القارب مع الأهل والجيران، فمن أن تعقد ال 8 أو ال 9 صباحا موعدها حتى تسمع طرقا في الباب تخرج لتتعرف على الطارق فإذا بك أمام كيس مملوء بالسمك، معظم أهل المدينة عايشوا هكذا مواقف، أذكر أني توجهت ذات يوم إلى منزلنا وأنا في يدي أزيد من 15 كيلوغرام من السمك (خلطة من أنواع مختلفة) بدون مقابل، كان ثمن السمك بخسا وفي متناول الجميع، من النادر جدا أن ترى مائدة الحسيمي خالية من الأسماك وخاصة السردين.
الميناء اليوم، وبعدما تم هجره لسنوات طوال لأسباب عديدة ومتشابكة، أدت إلى بطالة أبناء المدينة وحرمان أسر كثيرة من حقها في الحياة، مما حذا بهم إلى ممارسة مهن أخرى أو التوجه إلى مدن بعيدة عن الأهل والأحبة، وارتفاع صاروخي في أثمنة المنتوج أثارت غضب البحار وصاحب القارب قبل المستهلك، ميناء الحسيمة الذي شكل جزءا كبيرا من تاريخ “المزمة” يستعيد اليوم أنفاسه ونبضه بفضل الحراك الشعبي الاجتماعي لأهل المدينة واستماتتهم في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، وإنصات من أوكلت لهم مهمة تدبير الشأن العام الجهوي -خصوصا- لهذا الحراك واعتباره رد فعل عفوي من مواطنين لا يريدون سوى الكرامة والعيش بأمان وعزة نفس.
رحم الله الشهيد #محسن_فكري.
تعليقات الزوار ( 0 )