إشادة المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، فريديريك ڤو بمستوى التعاون الثنائي المتميز الذي بلغته العلاقات بين المغرب وفرنسا في المجال الأمني لم يأت من فراغ. لقد جاء في أعقاب توقيف مصالح الأمن الوطني أحد أعتى زعماء المافيا في مدينة مارسيليا الفرنسية المدعو فيليكس بانكي. هذا المجرم الذي روّع فرنسا ويصنّف من بين أخطر المطلوبين من طرف القضاء الفرنسي لم يفلت من كمين الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي كانت قد أوقفته بمدينة الدار البيضاء، بتاريخ 8 مارس الجاري، قبل أن تعرضه في اليوم الموالي على النيابة العامة، وتودعه مؤقتا السجن المحلي بسلا على ذمة مسطرة التسليم.
التعاون الأمني والقضائي بين فرنسا يقضي بتسليم هذا المبحوث عنه للسلطات الفرنسية حيث سيخضع للمحاكمة من طرف القضاء الفرنسي بناء على الاتهامات الموجهة له، والتي تشمل ارتكاب العديد من جرائم تصفية الحسابات والتحريض عليها في إطار شبكات الاتجار غير المشروع بالمخدرات وغسيل الأموال المتأتية من أنشطة الجريمة المنظمة. لم يتأخر المسؤول الأمني الفرنسي في الاتصال هاتفيا أمس الجمعة بنظيره المغربي عبد اللطيف حموشي للتعبير عن شكره وإشادته بما قامت به المصالح الأمنية الوطنية، ولا سيّما في ظل الانفلات الأمني الكبير الذي تشهده شوارع مرسيليا وضواحيها بسبب حرب العصابات المروّجة للمخدرات.
هذا الاعتراف الفرنسي بالجهود المغربية الصادقة في تفعيل اتفاقات التعاون الأمني والقضائي ليس حدثا فريدا من نوعه. تدرك فرنسا أن الجهود التي تبذلها السلطات الأمنية المغربية في مكافحة الجريمة المنظمة ومظاهر الإرهاب والتطرف وتفكيك المنظمات والمخططات الإرهابية قبل وقوعها عمل جبّار ولا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة إلى الجيران الأوربيين على الخصوص. كلّنا نتذكر الدور الحاسم الذي لعبته المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني في إحباط عملية إرهابية وشيكة كانت ستستهدف إحدى الكنائس بعد أن قدمت للمصالح الاستخباراتية الفرنسية معلومات دقيقة حولها في أبريل سنة 2021. مكّنت هذه المعلومات من تنظيم عملية أمنية استباقية وتوقيف المخطّطين للعملية الإرهابية التي كانت ستودي بحياة العديد من الأبرياء.
تؤكد هذه الإشادة الفرنسية بأن المملكة المغربية ملتزمة التزاما تاما بتفعيل آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة الجريمة، وتقوم بواجباتها كاملة في هذا الإطار. وهي لا تفعل ذلك لكسب الودّ أو تحسين العلاقات مع هذا البلد أو ذاك، بل تفعله أيضا في إطار الإيمان الراسخ بأن المؤسسات الأمنية الفعالة هي تلك التي تحارب الجريمة أينما كانت، ومهما كان المتورّطون فيها. وهذا ما يفسّر الثقة الكبيرة التي أضحت بلادنا تحظى بها في المحافل الدولية فيما يتعلق بالتعاون الأمني وتنسيق الجهود للتصدّي للجريمة بكافة أنواعها. وهذه المكانة الأمنية الاستثنائية التي بلغتها المؤسسة الأمنية الوطنية هي التي خوّلت لبلادنا على سبيل المثال نيل شرف احتضان أشغال الدورة الثالثة والتسعين للجمعية العامة للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية “أنتربول”، والتي من المقرر تنظيمها بمدينة مراكش سنة 2025.
لقد صوّت المشاركون في المؤتمر الأخير لهذه المنظمة في دجنبر الماضي بالنمسا بالإجماع على إسناد الدورة المقبلة للمغرب، نظرا إلى هذه الثقة الكبيرة التي يضعها اليوم جلّ المسؤولين الأمنيين في مختلف أنحاء العالم، في كفاءة وقدرات المصالح الأمنية الوطنية، وآفاق التعاون معها والخبرات التي راكمتها في محاربة الانحرافات التي تهدد استقرار وأمن الدول والمجتمعات. أكبر المؤسسات الاستخباراتية والأمنية في العالم اعترفت بهذه المكانة، وعلى رأسها المخابرات المركزية الأميركية التي لم تتردد بدورها في الإشادة بما تبذله المصالح الاستخباراتية والأمنية المغربية على نحو يخدم الاستقرار والأمن العالميين. نذكر جيدا في هذا السياق الإشادة الأميركية بالمعلومات الدقيقة التي قدمتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني ومكّنت المخابرات المركزية الأميركية في يناير 2021 من توقيف جندي أميركي على صلة بتنظيم داعش.
نجاح المؤسسة الأمنية في أدائها الأمني على الصعيد الدولي والإقليمي يعكس قدراتها الهائلة على مستوى ضبط الأمن الوطني والداخلي. ونحن نلمس اليوم كيف أضحت مصالح الأمن بفضل الجهود التي بُذلت على مستوى التكوين وتأهيل الكفاءات وتناقل الخبرات من الشرطة القضائية إلى الشرطة العلمية، ومن مجال ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان إلى مجال التحكّم في العالم الرقمي، تحسّن أداءها عاما بعد عام، وتنتقل إلى مراحل جدّ متقدمة من المقاربات الأمنية الاستباقية التي لا تنتظر وقوع الجرائم بل تحاول باستمرار التعامل مع مخططاتها أولا وفقا لاستراتيجيات مدروسة وخطط قابلة للتقييم والقياس.
تعليقات الزوار ( 0 )