أن يعترف علي المرابط أنه وبمعية أشخاص آخرين يشكلون كتيبة “طابور خامس” ضد المغرب ومؤسساته وبأنهم المصدر الحصري الواقف وراء استصدار تقارير وقرارات وتوصيات معادية ومغلوطة من جهات أجنبية (الرسمية منها والأخرى التي تزعم أنها غير حكومية).. فهذا ليس بشيء جديد.. الجميع يعلم ذلك ويعلم خلفياته وأهدافه.
ففي آخر فيديو له على قناته في “اليوتيوب”، بتاريخ 9 شتنبر 2024، قال المرابط أنه وبمعية أشخاص آخرين لم يذكر أسماءهم، (لكنهم معلومين)، يقومون بمراسلة جهات أجنبية لم يحدد طبيعتها (لكنها معلومة أيضا)، من أجل إدانة المغرب في ملفات معينة، بناء على تقارير، كان هو ومن معه من يقومون بإعدادها وصياغتها وإرسالها لتلك الجهات، مشيرا إلى أن البعض منها كانت هي من تطلب منهم ذلك.
وطبعا لا حاجة لأن نشرح ونوضح بأن العمل الذي اعترف علي المرابط بأنه يقوم به لصالح جهات أجنبية، لا يمت بصلة لا للصحافة ولا للعمل الحقوقي.. فكتابة التقارير والتخابر مع جهات أجنبية بغرض المس بأمن وسلامة الدولة، هي من أعمال الجواسيس والعملاء أو الخونة والمتآمرين… ولطالما تحدثنا عن هذه الأمور في عدة مقالات وكان البعض يحتج ويستنكر ويخرج للتباكي والتشكي مما يسمونه بـ “التخوين”.. وها نحن اليوم أمام اعتراف صريح وواضح وبشهادة شاهد من أهلهم، لا غبار عليها ولا لبس فيها ولا تحتمل الكثير من التأويل.
قلت أن هذا الاعتراف (في شكله الظاهري العام) ليس بشيء جديد، لكن الخطير فيه هو ما جاء في طياته بشكل ضمني، لكنه “غير معلن” أو ما يسمى في لغة موليير بـ “Le Non-dit”، حيث يتبين أن الأمر أكثر من أن يكون محصورا في عمل تخابرٍ يقوم به مجموعة من المتآمرين، وإنما نحن أيضا أمام عمل ممنهج لتكريس لللاقانون… حيث كشف المرابط بشكل غير مباشر عما يمكن أن نسميه بـ “منهج الطوابرية لتكريس اللاقانون” يقوم على 4 خطوات رئيسية وهي:
1. تبييض الجريمة؛
2. مَأْسَسةُ (institutionnalisation) الإفلات من العقاب؛
3. شرعنة الخروج عن القانون؛
4. إشاعة الفوضى.
1. تبييض الجريمة:
هي أخطر خطوة على الإطلاق في هذا المنهج، باعتبارها المدخل الرئيسي إلى تكريس اللاقانون.
فبمجرد أن يقع أحدهم في خلاف مع القانون، فإن الطوابرية يقومون خلال هذه الخطوة بلعب دور أجهزة موازية لأجهزة إنفاذ القانون الحقيقية، لتبييض الجريمة التي قد يكون الشخص المعني ارتكبها وذلك عبر أمرين اثنين:
أولا، تسفيه الجريمة عوض محاولة إثبات براءة الشخص المعني بالوسائل القانونية (إن كان بريئا)، وذلك من خلال شن حملات واسعة النطاق للتشكيك في قانونية المتابعة وفي وسائل الإثبات، عبر اعتماد أساليب حرب الرواية والبروباغندا الإعلامية.
ثانيا، تسييس الملف من خلال التشكيك في الخلفيات الحقيقية للمتابعة والترويج لخلفيات أخرى زائفة على أنها السبب في متابعته، مفادها أن الشخص المعني توبع بسبب آرائه أو نشاطه الحقوقي أو الصحفي…الخ، وهنا يضع الطوابرية كل ثقلهم لتجييش المنظمات الحقوقية الأجنبية من أجل إصدار تقارير في هذا الاتجاه.. أي في اتجاه التسييس، تمهيدا لمحاولة إفلات الشخص المعني من العقاب.
2. مأْسَسةُ (institutionnalisation) الإفلات من العقاب؛
هي خطوة لا تقل خطورة عن الأولى. ففي هذه المرحلة يعمل الطوابرية على توظيف مؤسسات وهيئات أجنبية إما سياسية أو برلمانية أو أممية وأحيانا قضائية أو أمنية، بإقحامها في ملفات معروضة على القضاء المغربي ودفعها إلى إصدار توصيات أو آراء أو قرارات، تكون أصلا مبنية على التقارير التي صاغها الطوابرية أنفسهم كمصدر حصري ووحيد في الملف، من أجل الضغط على ذلك القضاء لإطلاق سراح الشخص المعني بالمتابعة إذا كان معتقلا أو إيقاف المتابعة إذا كان في حالة سراح أو منع تسليمه إلى السلطات القضائية المعنية عندما يتعلق الأمر بمتابعات خارج الوطن.
بمعنى آخر أن الطوابرية يستغلون صفاتهم المهنية أو “النضالية” (إن صح التعبير) وشبكة علاقاتهم داخل مؤسسات أجنبية، ليس من أجل عمل حقوقي بحت الذي يزعمون أنهم يمارسونه دفاعا عن المبادئ والقيم، وإنما يستغلون ذلك في العمل على أن يفلت أحد أبناء عشيرتهم من العقاب عندما يقع في خلاف مع القانون، وتحديدا عندما يتيقنون أنه مذنب.
3. شرعنة الخروج عن القانون:
عندما ينجح الطوابرية في استصدار آراء أو توصيات أجنبية لصالحهم بناءً على تقارير مغلوطة من الأساس كمحاولة لتبييض جريمة أحدهم أو بعضهم، فإنهم لا يكتفون بالتعامل مع مكسبهم هذا على أنه “صك براءة”، بل يحولونه بعد ذلك -وهذا هو الأخطر- إلى نوع من “الحصانة” التي يشرعنون بها الخروج عن القانون… وكأن لسان حالهم يقول لأبناء عشيرتهم ومن يأتمر بأمرهم أو يدور في فلكهم:
لا تقلقوا ! ارتكبوا من الجرائم ما شئتم وكيفما شئتم ووقتما شئتم… سنقف إلى جانبكم وسنسعى سعيا حثيثا من أجل أن تفلتوا من العقاب… وحتى إن لم تفلتوا منه، سنلجأ إلى كل الطرق من أجل الإفراج عنكم بأي وسيلة كانت… لكن المهم هو الولاء لنا ولأجندتنا وألا تتوانوا عن الخروج عن القانون كلما سنحت لكم الفرصة ذلك.
4. إشاعة الفوضى:
إن الحاجة الملحة والمستمرة لدى الطوابرية إلى ملفات يشتغلون عليها ويتاجرون بها، باعتبار سبب وجودهم واستمراريتهم مرتبط ومقرون بالزج بالآخرين في السجن.. يدفعهم إلى توسيع عملية شرعنة الخروج عن القانون لتشمل غير المنتمين إلى دائرتهم، إما من خلال الاستقطاب أو من خلال الجذب.
الاستقطاب، معناه أن الطوابرية هم من يعملون على اختيار أشخاص بعينهم لهم قابلية واستعداد الاستجابة لأجندتهم والدفع بهم إلى الخروج عن القانون بإسم النضال والفساد، لتكون النتيجة هي تفريخ “كاميكازات النضال” ينتهي بهم المطاف إلى السجن.
أما الجذب، أو الاستقطاب العكسي (إن صح التعبير) فهو عندما يبادر شخص أو مجموعة أشخاص تلقائيا وطواعية إلى الاحتماء في كنف الطوابرية من أجل ادعاء النضال وفضح الفساد… وهذه الفئة هي أكثر خطورة من الأولى، لأن الأمر هنا يتعلق بأشخاص هم أصلا مجموعة من الخارجين عن القانون يبحثون عن الحماية أو بالأحرى عمن سيضمن لهم الإفلات من العقاب. وهم في الغالب أشخاص يحترفون النصب والابتزاز، وقد يكون من ضمنهم إرهابيين سابقين أو متطرفين ومشاريع إرهابيين.
هم أشخاص لا تكون لهم أي علاقة لا بالنضال ولا بالعمل الحقوقي، ولكن فجأة يتحولون إلى مناضلين ومعارضين… فقط للتغطية على جرائمهم الأصلية… والأدهى أن هذا النوع يواصل نشاطه الإجرامي بإسم النضال ومن داخل كنف الطوابرية، لتكون بذلك النتيجة هي ليس فقط تفريخ المجرمين وصناعة الإجرام، وإنما تكون النتيجة هي إشاعة الفوضى وفتح الباب على مصراعيه أمام “تكريس اللاقانون”.
تعليقات الزوار ( 0 )