-
°C
weather
+ تابعنا

هشام جيراندو… حين تنكشف اللعبة وتسقط الأقنعة

كتب في 3 يونيو 2025 - 11:26 ص

في زمن “اليوتيوبرز” الذين تحولوا بين ليلة وضحاها إلى محللين سياسيين، وصنّاع رأي عام، و”فرسان حرية التعبير”، أصبح من الصعب على المتتبع المغربي أن يميز بين النقد الجاد وبين العروض المسرحية الرخيصة التي تُبث من وراء الشاشات وتُسوّق على أنها مقاومة وطنية.

ومن بين هذه الوجوه التي خرجت من عباءة “الشهرة الرقمية”، يبرز اسم هشام جيراندو، الذي أصبح اسمه متداولًا ليس بسبب مقالات تحليلية رصينة أو تحقيقات صحفية جادة، بل بفضل أسلوبه الناقم والهجومي العدواني، الذي لا يكاد يترك مؤسسة من مؤسسات الدولة إلا وجعلها موضوعا للانتقام وهدفا للهجوم.

جيراندو، دون خجل وبروح عدمية تبنى أفكاره التافهة للقيام بمهاجمة رموز بارزة في الدولة من بينها:

  • عبد اللطيف حموشي، مدير المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني.
  • محمد ياسين المنصوري، مدير المديرية العامة للدراسات والمستندات (المخابرات الخارجية).
  • ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي،

اللافت أن هجماته ليست عابرة أو معزولة، بل ممنهجة ومتكررة، وكأنها مأمورة، أو مدفوعة الثمن بهدف خلق جو من التشكيك والتأليب ضد مؤسسات سيادية لها ثقلها الوطني والدولي.

والمغاربة، الذين جُبلوا على الفطنة والحس النقدي، لم يتأخروا كثيرًا في فهم اللعبة. فقد أدركوا سريعًا أن ما يفعله جيراندو لم يعد يدخل في خانة حرية التعبير، بل صار أقرب إلى التحامل الممنهج، والإساءة المقصودة، بأسلوب شعبوي يُغَلف بالخطاب الحقوقي، لكنه لا يخلو من الاصطفاف والانحياز الواضحين.

وما استهداف السيد عبد اللطيف حموشي، الرجل الذي يحظى بثقة جلالة الملك محمد السادس، واحترام داخلي وخارجي، إلا دليلا على كفائته
وحنكته وجديته في التعاطي مع المقاربة الأمنية الناجحة، التي يجمع من خلالها بين الحزم في مواجهة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود، وبين الالتزام بثقافة حقوق الإنسان، كما أرساها عاهل البلاد في رؤيته لتحديث المؤسسات الأمنية وجعلها في خدمة المواطن لا في مواجهته؟

والجرأة التي يتم بها مهاجمة السيد محمد ياسين المنصوري، المسؤول عن جهاز استخباراتي لا يظهر في العلن، ولا يدخل في الصراعات الإعلامية، هي دليل على حضور العقل الأمني الاستخباراتي المغربي في المعارك الطاحنة للدفاع عن المصالح العليا للمملكة؟

وتوجيه السهام نحو السيد ناصر بوريطة، الحريص على انجاح التحولات الدبلوماسية المغربية، هو دليل آخر على أن هذا الرجل نجح في رفع راية المملكة في كل المحافل، من الرباط إلى نيويورك، ومن بروكسيل إلى أديس أبابا بحكمة وتبصر دائمين.

إن المشكلة ليست في حرية النقد، فالنقد ضرورة صحية لأي دولة تحترم نفسها. لكن الانتقاد والانتقام والعداء باتت لعبة مفضوحة، تتكرر فيها الأسماء نفسها، وتُستعمل فيها العبارات ذاتها، وتُعاد فيها الاتهامات بشكل مستنسخ، دون أي اجتهاد أو بحث، فهنا نخرج من دائرة التعبير الحر، لندخل دائرة التوظيف الإعلامي التافه الموجَّه.

وهنا يُطرح السؤال بوضوح، هل هشام جيراندو يعبر عن قناعاته، أم ينفذ أجندة أعداء المغرب؟ هل يدافع عن حرية الإعلام، أم يستخدم الإعلام لتصفية حساباته المغرضة مع الدولة؟ ولمذا يستهدف الأشخاص، ويهاجم المؤسسات ورموز الدولة المغربية؟

فالمغاربة، الذين خبروا السياسة والصحافة وخدع الخطاب الثوري، لم تنطلِي عليهم المسرحية. فقد أدركوا أن ما يُقدَّم لهم باسم “الوعي” و”الصحوة” ليس سوى “شعبوية إعلامية”، هدفها الأول والأخير هو التشويش، والتضليل، وصناعة التفاهة والبلبلة التي تصب في مصلحة أعداء البلد.

وحتى لو تزيّنت الخطب بشعارات براقة من قبيل “محاربة الفساد” و”حرية التعبير”، فإن الغاية الحقيقية أصبحت مكشوفة: إنها محاولة متكررة لضرب ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، عبر استهداف رموزها الأقوياء.

لكن ما لا يعرفه جيراندو، أو ربما يعرفه ويتجاهله، هو أن المغاربة لا يُخدعون بسهولة. فقد رأوا مثل هذه الوجوه كثيرًا، وسمعوا مثل هذه الخطابات مرارًا، وجرّبوا هؤلاء “الفرسان” الذين يبيعون لهم الوهم، ثم يختفون عند أول اختبار.

فمن السهل أن تصنع لنفسك منصة وتهاجم من تشاء، لكن من الصعب أن تصنع لك مصداقية، لأن المصداقية تُكتسب بالعمل الجاد والنقد البناء، لا بالتحامل والبروباغندا.

ومن السهل أن تتكلم باسم الشعب، لكن من الأصعب أن تحظى بثقته، لأن الثقة تُمنح بالاستحقاق لمن يعمل، لا لمن يتكلم.

وفي النهاية، تبقى الحقيقة عارية أمام الجميع: اللعبة مكشوفة، وكاتب المسرحية مفضوح، والجمهور لم يعد متتبع للممثل.

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .