سجّلت مدن الشمال خلال أكتوبر 2025 مفارقة لافتة في خريطة الأسعار الوطنية، بعدما انخفض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك بوتيرة تخالف الاتجاه العام، لتتفوق الحسيمة في تصدر هذا المنحى بتراجع هو الأبرز وطنياً. ويأتي هذا التطور في سياق يتسم باستقرار نسبي للأسعار على المستوى الوطني، لكنه يكشف في المقابل عن تمايز جهوي واضح في دينامية المعيشة.
وبحسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط، فقد برز الشريط الشمالي بتراجع ملحوظ في وتيرة التضخم، حيث سجلت الحسيمة انخفاضاً شهرياً بلغت نسبته 1,5 بالمئة، متبوعة بتطوان (-0,9 بالمئة) وطنجة (-0,7 بالمئة). وتؤكد هذه الأرقام وجود نمط سعري مغاير لما تعرفه مدن أخرى من الوسط، مثل القنيطرة التي سجلت ارتفاعاً طفيفاً، ما يعمّق الفوارق المجالية في تكاليف المعيشة.
ويرتبط هذا الهبوط في أسعار الاستهلاك بالأساس بانخفاض المواد الغذائية، التي تشكّل الركن الأهم في سلة المستهلك المغربي، حيث تراجعت أثمان الزيوت واللحوم والخضر والأسماك بنسب تراوحت بين 1,3 و3,7 بالمئة. وهو انخفاض استفادت منه أسر الشمال بوضوح، بفعل تحسن العرض المحلي ووفرة التموين الموسمي في المناطق الساحلية والجبلية.
ويرى خبراء أن هذه “القطيعة” بين منحنى الأسعار في الشمال وباقي جهات المملكة ترتبط بعوامل لوجستية وموسمية، لاسيما مع انقضاء مرحلة الذروة السياحية التي ترفع الطلب عادة في مدن كطنجة وتطوان، لتعود بعدها الأسواق إلى مستويات طبيعية قبيل دخول فصل الشتاء.
وتدعم المذكرة الإخبارية للشهر نفسه هذا التوجه، إذ تشير إلى انخفاض المؤشر الوطني بنسبة 0,6 بالمئة، مدفوعاً أساساً بتراجع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية بـ 1,3 بالمئة، مقابل استقرار شبه تام للمواد غير الغذائية.
كما واصلت الحسيمة صدارة المدن الأكثر انخفاضاً، متقدمة على سطات وآسفي (-1,0 بالمئة)، إضافة إلى بني ملال وتطوان (-0,9 بالمئة)، في دلالة على تمايز بنيوي يرتبط بطبيعة البنيات الاقتصادية وأنماط التوزيع الجهوي.
وفي الوقت ذاته، لوحظ تراجع طفيف في أسعار بعض المواد غير الغذائية، من بينها “المحروقات” (-0,6 بالمئة) على المستوى الوطني، غير أن تأثيرها ظل محدوداً في مدن الشمال، ليظل ثقل المواد الغذائية العامل الحاسم في تشكيل منحنى كلفة المعيشة بهذه المناطق ذات الهامش الحساس اجتماعياً واقتصادياً.
تعليقات الزوار ( 0 )