في خطوة لافتة تعكس توازن المغرب بين متطلبات الاستثمار وحاجيات التنمية المينائية، يرتقب أن يدخل جزء من ميناء الناظور غرب المتوسط حيز الاستغلال قبل اكتمال المشروع بشكل كامل، المتوقع بحلول نهاية سنة 2026. ويأتي هذا القرار استجابة لالتزامات حكومية تجاه المستثمر الصيني Aeolon المتخصص في تكنولوجيا الطاقات المتجددة، بعدما رخصت وزارة التجهيز والماء للشركة، مطلع نونبر الجاري، بالشروع في تصدير شفرات التوربينات الهوائية المصنعة في وحدتها الصناعية الجديدة بالناظور.
وتعرف الشركة وتيرة إنتاج مرتفعة تصل إلى نحو ستين شفرة هوائية كل شهر، وهو ما تطلب توفير منصة تصديرية عاجلة، خاصة أن بعض أرصفة الميناء أصبحت جاهزة من الناحية العملية. غير أن غياب مكونات أساسية على مستوى البنية التحتية، وعلى رأسها نظام المراقبة الملاحية، دفع بالوزارة إلى اعتماد نموذج تشغيل مرحلي يقوم على إدماج الميناء الجديد في سلسلة التصدير دون انتظار اكتمال ورش البناء بالكامل.
وبموجب هذا النموذج، تُنجز الإجراءات الإدارية والجمركية عبر ميناء بني أنصار، فيما تتم عمليات شحن السفن داخل الميناء الجديد خلال فترات النهار فقط، مع إسناد خدمات الرسو والسحب إلى شركة مارسا المغرب. ويتيح هذا النظام حلاً وسطاً يضمن استمرار نشاط الشركة الصينية ويوفر في الوقت نفسه شروط السلامة المينائية الضرورية.
ويرى خبراء القطاع البحري أن السماح بالتصدير قبل اكتمال المشروع يعكس حرص السلطات المغربية على احترام التزاماتها مع المستثمرين، لكنه يسلّط أيضاً الضوء على التأخر الحاصل في استكمال أشغال الميناء وانعكاساته على دينامية التصدير بالجهة الشرقية. في المقابل، يعتبر متخصصون في اللوجستيك أن الخطوة تعزز موقع المغرب كمركز صناعي ولوجستي صاعد يربط إفريقيا بأوروبا، في ظل تزايد اهتمام الشركات الآسيوية بجعل المملكة منصة إنتاج وتوزيع لأسواق متعددة.
وخلال عرض الميزانية أمام البرلمان، أكد وزير التجهيز والماء نزار بركة أن الميناء “جاهز بالكامل” من حيث الأرصفة الأساسية، موضحاً أن الجهود مركزة حالياً على استكمال الربط الطرقي مع مدن فاس وتاوريرت ووجدة، بما يضمن تدفقاً سلساً لحركة البضائع.
وتُقدّر قدرة المعالجة في المرحلة الأولى بنحو 1,8 مليون حاوية سنوياً، مع رفع الطاقة إلى 5,5 ملايين حاوية في المراحل اللاحقة، وهو ما يضع الميناء في منافسة مباشرة مع موانئ أوروبية كبرى مثل الجزيرة الخضراء في إسبانيا (4,7 مليون حاوية) وفالنسيا (5,5 ملايين حاوية). خطوة مبكرة في التشغيل، لكنها تحمل مؤشرات قوية على الطموح المغربي لتعزيز موقعه ضمن خارطة الموانئ الكبرى على ضفتي المتوسط.


تعليقات الزوار ( 0 )