-
°C
weather
+ تابعنا

لماذا يكرهون عبد اللطيف حموشي؟ عقد من الإصلاح كسر مصالح مافيات الداخل والخارج

كتب في 15 مايو 2025 - 11:18 م

في 15 ماي 2015، أي في مثل هذا اليوم منذ 10 سنوات، عين الملك محمد السادس عبد اللطيف حموشي، المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، على رأس المديرية العامة للأمن الوطني. قرار واحد حمل في طياته أكثر من تحول استراتيجي داخل جهاز كان إلى وقت قريب يئن تحت وطأة الأعطاب البنيوية والتدبير المرتجل والسمعة السيئة. ولم يكن تعيين حموشي حدثا عاديا، بل كان بداية ما يمكن وصفه بـ”ثورة هادئة” أطلقها رجل الظل الذي فضّل الفعل على الكلام، واستعاض عن التصريحات بخطط متدرجة ودقيقة قلبت وجه المؤسسة الأمنية رأسا على عقب.

DGSN 8

جاء تعيين عبد اللطيف حموشي على رأس المديرية العامة للأمن الوطني يوم 15 ماي 2015، بقرار ملكي حمل دلالة خاصة، ليس فقط لتزامنه مع الذكرى 59 لتأسيس الأمن الوطني، ولكن أيضا لأنه جاء في خضم توتر دبلوماسي حاد مع فرنسا. فقد كانت باريس في قلب أزمة غير مسبوقة مع الرباط حينما أقدم سبعة عناصر من الشرطة الفرنسية، في فبراير 2014، على طرق باب السفارة المغربية لإبلاغ السفير باستدعاء قضائي موجه إلى حموشي نفسه، بتهمة التعذيب، بناءًا على شكايات كيدية. هذه الأخيرة التي حاول أصحابها ومن كان يقف وراءهم تشويه صورة المغرب ومسؤوليه الأمنيين، ثبت زيفها لاحقا، ليقوم القضاء الفرنسي بحفظها بشكل نهائي سنة 2016، في اعتراف صريح ببطلان ادعاءاتهم السخيفة.

DGSN 1
DGSN 2

القرار الملكي بتوسيع مهام حموشي وتعيينه مديرا عاما للأمن الوطني، مع احتفاظه بقيادة جهاز المخابرات الداخلية DGST، كان في جوهره ردا سياديا ورسالة داخلية وخارجية مفادها: المغرب لا يسقط رجاله الشرفاء، بل يجدد ثقته فيهم حين يشتدّ العصف. لقد كافأ حموشي على مهنيته العالية ونجاعته في تدبير الملفات الإرهابية، خاصة بعد أن أصبح اسم المغرب يحظى بتقدير كبير من العواصم الأوروبية عقب تفكيك مئات الخلايا الإرهابية وتجنيب تلك البلدان حمامات دم وشيكة بفضل معلومات دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني تحت قيادة حموشي.

DGSN 2

من وجهة نظر استراتيجية، شكّل هذا الجمع بين إدارة الأمن الوطني والمخابرات الداخلية نقلة نوعية في المنظومة الأمنية المغربية. فقد أصبحت الاستخبارات التي تنتج المعلومة والتحليل، هي نفسها المشرفة على الجهاز التنفيذي المكلف بتنزيل الإجراءات الأمنية ميدانيا. هذا التوحيد العملي، تحت إشراف مدير عام واحد، خلق تناغما غير مسبوق بين الجهازين، ورفع من نجاعة التدخلات، وسرّع من إيقاع التنسيق الميداني والتقني، ما أدى إلى إغلاق العديد من الثغرات البنيوية التي كانت تؤرق الأجهزة الأمنية في السابق.

وكان لافتا في أول تصريح رسمي لوزير الداخلية آنذاك، محمد حصاد، بعد تعيين حموشي، تأكيده أن هذا القرار سيمكن من تطوير الجهاز الأمني وعصرنته، كما أنه سيمنح المغرب قدرة أكبر على الاستباق والنجاعة في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة. وفي خلفية هذا الكلام، كانت هناك رغبة واضحة في تنزيل دستور 2011، الذي نصّ على ربط المسؤولية بالمحاسبة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان أمن المواطنين دون المساس بالحريات.

عشر سنوات بعد هذا القرار الملكي، لم يعد الأمن الوطني هو نفسه، لا على مستوى البنيات، ولا على مستوى التسيير، ولا على مستوى الفلسفة المهنية المؤطرة… شرطة القرب، فرق النجدة، الشفافية في مباريات التوظيف، محاسبة كبار المسؤولين، توحيد القيادة بين الـDGSN والـDGST، عقلنة التدبير المالي، رقمنة الخدمات، مراقبة الحدود بالتكنولوجيا الحديثة، مراكز القيادة والتنسيق، تحديث زي الشرطة، تجهيز البنيات الصحية والاجتماعية، كلها أوراش متداخلة بدأت من السنة الأولى، لكنها لم تتوقف حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

عشر سنوات من الإصلاح العميق تحت قيادة عبد اللطيف حموشي كانت كفيلة بتحويل الأمن الوطني من جهاز تقليدي إلى مؤسسة حديثة وفعالة، تجسد قيم الانضباط والشفافية والالتزام بخدمة المواطن. من تحديث البنيات وتخليق المرفق، إلى تعزيز شرطة القرب، وتكريس البعد الحقوقي، ومكافحة الجريمة بمهنية عالية، وانفتاح مؤسسي غير مسبوق… كلها تحولات كرّست الثقة في المؤسسة الأمنية داخليا، وعززت إشعاعها خارجيا.

لكن التحولات الكبرى لا تمر دون ثمن. ففي الوقت الذي أعادت فيه هذه الثورة الأمنية الهادئة رسم علاقة المواطن بمؤسسته الأمنية على أسس جديدة قوامها الثقة والانفتاح والمواطنة، كانت جهات أخرى، داخلية وخارجية، ترتجف تحت وقع هذا التغيير. جهات اعتادت الاستثمار في صورة نمطية عن الأمن المغربي، وعاشت طويلا على الاتجار في معاناة الماضي وسرديات المظلومية الحقوقية. ومع كل خطوة في مسار الإصلاح، كانت أسس خطابها تتهاوى، ونفوذها يتقلص، ومصادرها الدعائية تفقد مصداقيتها.

لأن الرجل الذي كان يوصف في بداية العهد الجديد برجل الظل، هو نفسه الذي أطلق ثورة هادئة داخل جهاز الأمن الوطني، ثورة جعلت من الشرطة المغربية مؤسسة موثوقة، مواطِنة، شفافة، منفتحة، وتستند في تدخلاتها على القانون والصرامة والنزاهة. لهذا بالتحديد، تكرهه الجهات التي بنت مصالحها على شيطنة مؤسسات الدولة، وراكمت مشاريعها الدعائية على ربط الأجهزة الأمنية المغربية بالانتهاكات والفساد.

فجأة، تحوّل الخوف إلى ثقة، والصورة السوداء إلى انبهار جماهيري. الملايين باتوا يتوافدون على تظاهرات “الأبواب المفتوحة” للقاء رجال الأمن، ومؤشرات الثقة تجاوزت 80%، فيما أصبحت المؤسسة الأمنية تنشر بلاغاتها بشكل يومي، وتتفاعل بشكل فوري مع الإشاعات والوقائع، بل وتقدّم الاعتذار للمواطن عندما يُظلم، وتُحاسب المسؤول عندما يُقصّر… في ظل هذه الطفرة، لم يعد أمام خصوم المغرب سوى النيل من هذا الرجل. لأنه، ومن دون ضجيج، أسقط كل أطروحاتهم وعمل على تجفيف أهم مصادر الاسترزاق لديهم.

منذ اليوم الأول لتعيينه، بدأ عبد اللطيف حموشي في إعادة بناء المديرية العامة للأمن الوطني من الداخل. ولم تكن البداية ببلاغات ولا استعراضات إعلامية، بل بخطوات عملية دالة، أولها تصفية ديون التسيير المتراكمة منذ 2012، والتي بلغت 13.5 مليار سنتيم. قد تبدو خطوة عادية لكنها عميقة الدلالة: لا مجال للتسيير الارتجالي والعشوائي ولا مجال لما نسميه في الدارجة المغربية بـ “التخلويض”.

ثم أطلق ما صار يُعرف بـ”حملة الأيادي البيضاء”، والتي لم تستثنِ أحدا من المسؤولين الأمنيين المتورطين في الفساد أو التسيب أو التجاوزات… قرارات الإعفاء والتأديب طالت رؤساء مصالح وولايات ومسؤولين كبارا، وتمت مباشرة ملفات التأديب بإشراف مباشر من المدير العام، في إشارة إلى أنه لا أحد فوق المحاسبة.

وبالتوازي، أطلق حموشي تحديثا شاملا للبنية الإدارية والتقنية، فاستعان بأطر من DGST لتطوير منظومة الاشتغال داخل DGSN، وعيّن من بينهم منسقا عاما للأمن الوطني، في خطوة اعتُبرت في وقتها مقدمة لخلق دينامية جديدة في الأداء المؤسساتي. كما تمت مراجعة البنية الترابية للأمن، حيث تهيأت المديرية لتكييف ولايات الأمن مع التقسيم الجهوي الجديد (12 جهة عوض 16)، مما استدعى إعادة تنظيم وتوزيع العديد من الوحدات والدوائر الشرطية.

من بين المبادرات المهمة الأخرى خلال الأشهر الأولى، إطلاق منظومة جديدة لشرطة النجدة عبر الخط 19، تم تجريبها أولا في الرباط ثم فاس وسلا، وقد اعتمدت على تقنيات الاتصال السريع، وحدات متنقلة على مدار الساعة، ومراكز قيادة وتنسيق مجهزة بالتكنولوجيا المتقدمة. كما جرى خلال هذه المرحلة تحديث نظام تدبير الملفات داخل الدوائر الأمنية عبر البرنامج المعلوماتي GESTARR، بما يسمح برقمنة الشكايات، وتسريع الإجراءات الإدارية، وتحسين الإحصاء الجرمي.

DGSN 2

ومن حيث البعد الرمزي، حملت سنة 2015 أكثر من رسالة. فقد تم توزيع الكاميرات المحمولة على رجال المرور، في خطوة لمحاربة الرشوة، وأعلن عن تحديث الزي الرسمي للشرطة، بل وتمت مضاعفة عدد المستفيدين من أداء مناسك الحج على نفقة مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية. كل هذه الخطوات كانت تحمل إشارة واضحة: عهد جديد بدأ في الأمن الوطني، عنوانه التحديث، التخليق، وربط المسؤولية بالمحاسبة.

أحد أبرز منجزات حموشي تمثل في تغيير العلاقة بين الشرطة والمواطن. لم تعد المؤسسة الأمنية تُرى باعتبارها جهازا يخيف ويقمع، بل مؤسسة مواطِنة حاضنة، قريبة من الناس، تنصت لهم وتدافع عنهم. هذا التحول لم يكن سطحيا، بل تأسس على رؤية استراتيجية اختزلها شعار أول دورة لأيام الأبواب المفتوحة: “الأمن الوطني: التزام ووفاء”.

DGSN 5

فمنذ شتنبر 2017، انطلقت تظاهرات الأبواب المفتوحة في مختلف مدن المملكة، لتتحول إلى موعد سنوي وطني، حضر دورته الأخيرة في أكادير أزيد من 2.1 مليون زائر. في هذه التظاهرات، يكتشف المواطن المغربي عن قرب عمل الأمن الوطني، الفرق الخاصة، وحدات التدخل، التقنيات الحديثة، أنظمة الحماية، والشرطة العلمية. كما يُخصص فضاء للأطفال، وأروقة للتوعية، ومجالات للتفاعل مع المواطنين حول خدمات الشرطة.

DGSN 4
DGSN 3

هذه المقاربة التشاركية عززها انخراط أمني واسع في المبادرات الاجتماعية، كاستقبال الأطفال المرضى وتكريمهم، أو زيارة التلاميذ للمقرات الأمنية، أو حتى تخصيص مخيمات صيفية لأبناء شهداء الواجب.

من هنا، أصبح المواطن يرى في الشرطي حاميا، وليس خصما، وهو ما عبّرت عنه استطلاعات الرأي الوطنية والدولية التي وضعت المؤسسة الأمنية في صدارة الجهات التي يثق بها المغاربة.

DGSN 11
DGSN 1

منذ تسلمه مهام إدارة المديرية العامة للأمن الوطني سنة 2015، حرص عبد اللطيف حموشي على إرساء فلسفة أمنية جديدة ترتكز على احترام حقوق الإنسان وربط المسؤولية بالمحاسبة، ما جعل هذا البعد الحقوقي إحدى الركائز الجوهرية في إصلاح وتخليق المؤسسة الأمنية المغربية.

هذا التوجه لم يكن رد فعل على ضغوط ظرفية أو شراكات لاحقة، بل كان خيارا استراتيجيا تم ترجمته ميدانيا ابتداء من السنة الأولى. ويُجسد ذلك تنظيم دورات تكوينية منذ 2016 لفائدة مسؤولي الأمن، بدءًا من الأقاليم الجنوبية، حول “الأمن وحقوق الإنسان”، بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان.

لاحقا، وقّعت المديرية العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان اتفاقية إطار في شتنبر 2022، تهدف إلى ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان كمقوم أساسي في العمل الأمني اليومي. تُرجمت هذه الاتفاقية إلى برامج تكوينية مشتركة شملت دورات تدريبية للمكلفين بحراسة الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية، من ضمنها دورة أبريل 2025 المخصصة لحقوق المهاجرين والأشخاص في وضعيات هشاشة.

DGSN 1

وفي سنة 2024 وحدها، نظمت المديرية 3537 دورة تدريبية في مجال حقوق الإنسان، وأصدرت 710 مذكرة داخلية لتعزيز هذه الثقافة بين صفوف موظفي الأمن، ونفذت 2250 عملية مراقبة فجائية لأماكن الوضع تحت الحراسة النظرية، ما يكرّس أبعاد الرقابة المؤسساتية والتخليق الذاتي. كما تم إعداد دليل استرشادي حول ضمانات الأشخاص الموقوفين، باللغات الأربع: العربية، الأمازيغية، الفرنسية، والإنجليزية، وُضع رهن إشارة عناصر الشرطة في أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية.

DGSN 12

وعلى صعيد الإجراءات التأديبية، أظهر الحموشي صرامة غير مسبوقة في التعامل مع التجاوزات المهنية، حيث لم تقف فلسفة التخليق عند التكوين والوقاية فقط، بل تمتد إلى المعالجة الفورية والحازمة لكل سلوك منحرف يصدر عن عناصر الشرطة، مهما كانت رتبهم أو مهامهم.

عبد اللطيف حموشي لم يكتف بوضع المساطر، بل جسّد مبدأ “لا أحد فوق القانون” في وقائع ملموسة، كان فيها إلى جانب المواطن، مدافعا عن كرامته في مواجهة أي تجاوز أمني. وفيما يلي أبرز الحالات التي عكست هذا التوجه الحاسم في التطبيق العملي لمبدأ المحاسبة والصرامة في تأديب المتجاوزين.

قضية “مول التريبورتور” سنة 2018 شكّلت لحظة مفصلية في هذا المسار. مقطع فيديو يُظهر شرطيا يصفع شابّا يجر دراجته ثلاثية العجلات في أحد أسواق الدار البيضاء، أشعل موجة استنكار واسعة. لكن سرعان ما جاء رد حموشي حاسما: توقيف الشرطي المعتدي، فتح مسطرة تأديبية، ثم استقبال الضحية في مكتبه وتقديم اعتذار رسمي باسم الأمن الوطني. خطوةٌ غير مسبوقة أكسبت المؤسسة الأمنية إشادة شعبية وإعلامية واعتُبرت إعلانا صريحا عن نهج جديد في التعامل مع المواطنين.

DGSN 7

بعد ثلاث سنوات، في 2021، سيتكرر مشهد الانتصار للكرامة. هذه المرة بطل القصة هو نادل مقهى في الدار البيضاء اتّهم عناصر أمن بتعنيفه وتلفيق محضر كيدي ضده. الفيديو الذي تحدث فيه الضحية أثار تفاعلا سريعا من المدير العام، الذي أمر بإجراء بحث قضائي عاجل، وأوقف المتورطين عن العمل، وأحالهم إلى القضاء، حيث صدرت في حقهم لاحقا أحكام بالسجن. في هذا الملف، بدا أن المؤسسة لا تكتفي بالتبرئة الإدارية، بل تصرّ على ربط المسؤولية بالمحاسبة القضائية أيضا.

DGSN 4 1

ولا تقتصر تدخلات حموشي على الانتصار للمواطنين ضد تجاوزات الميدان فقط، بل شملت أيضا محاربة الفساد الداخلي في أعلى الهرم الأمني. ففي سنة 2020، انفجرت قضية صادمة تتعلق بمسؤول أمني كبير في الرباط يُتهم باستغلال شرطية مرؤوسة كخادمة في بيته. مباشرة بعد التحقق من المعطيات، أصدر حموشي قرارًا بإعفائه من منصبه وإلحاقه بدون مهمة، تأكيدا على أن أي استغلال للسلطة داخل الجهاز لن يُغض الطرف عنه، حتى لو كان مرتكبه برتبة “مراقب عام”.

وفي سنة 2016، كان الحسم سريعا أيضا في قضية “فتاة ابن جرير”، التي اتهمت شرطيا باغتصابها والتسبب في حملها. لم ينتظر المدير العام نتائج الرأي العام، بل أمر فورا بإيقاف الشرطي عن العمل، وإرسال لجنة مركزية للتحقيق. وأسفر ذلك عن إنصاف الضحية، وإجراءات تأديبية في حق مسؤولين أمنيين محليين ثبت تقصيرهم في التعامل مع الملف.

سياسة الانضباط التي أرساها حموشي داخل المؤسسة الأمنية شملت أيضا التعامل مع وقائع عنف جسدي غير مبرر من رجال الشرطة في الشارع العام. فمنذ الأسابيع الأولى لتعيينه مديرا عاما للأمن الوطني، وجد عبد اللطيف حموشي نفسه أمام امتحان مبكر يتعلق بتجاوزات ميدانية لعناصر الأمن، وذلك بعد تداول مقطع فيديو في أكتوبر 2015 يوثق قيام رجل شرطة بركل أحد المتظاهرين أمام البرلمان، خلال وقفة غير مرخصة للتضامن مع ضحايا فاجعة منى. ورغم أن الوقفة لم تُحترم فيها الإجراءات القانونية، وشهدت استفزازات لفظية، فإن المديرية العامة لم تتوان عن إصدار قرارات تأديبية صارمة، شملت إعفاء عميد الشرطة الممتاز الذي ظهر في الفيديو من منصبه كمسؤول عن الشرطة القضائية بولاية أمن الرباط، وإلحاقه بالإدارة المركزية بدون مهمة.

DGSN 9

وأمر حموشي أيضا بفتح تحقيق إداري فوري، اعتُبر حينها رسالة واضحة من الإدارة الجديدة مفادها أن أي استعمال غير مشروع للقوة هو خرق للتعليمات المهنية، حتى لو جاء كرد فعل على تصرفات استفزازية. واعتبرت المديرية أن التصرف الذي صدر عن الشرطي تجاوز صريح للتدابير النظامية المعمول بها.

وبعد أشهر قليلة، في يناير 2016، جاءت واقعة أخرى لا تقل حساسية، حين جرى تعنيف الأساتذة المتدربين خلال وقفات ومسيرات في عدد من المدن المغربية، احتجاجا على مرسوم فصل التكوين عن التوظيف. ومباشرة بعد انتشار صور ومقاطع توثق الاستعمال المفرط للقوة، أصدر حموشي تعليماته بفتح تحقيق إداري معمق، وتتبع شخصي منه لسير الأبحاث، بهدف ترتيب المسؤوليات في حال ثبت أي تجاوز للتعليمات الأمنية المؤطرة للتدخلات.

وفي مارس 2021، وخلال احتجاجات الأساتذة المتعاقدين، تداولت شبكات التواصل مقاطع فيديو لرجل بزي مدني وهو يُعنف مجموعة من المحتجين، ما أثار استنكارا واسعا. ومرة أخرى، جاء الرد سريعا من حموشي، الذي أصدر تعليمات صارمة بتمكين الشرطة القضائية من كل المعطيات التعريفية المرتبطة بالمتورط، لتسريع التحقيق تحت إشراف النيابة العامة، مع التأكيد على ضرورة ترتيب الجزاءات القانونية. وقد تم تحديد هوية الشخص وإخضاعه لتدابير البحث التمهيدي، في خطوة عكست التزاما ثابتا بعدم التساهل مع أي عنف خارج الإطار القانوني، حتى من طرف من يُفترض أنهم يتدخلون لحفظ النظام.

DGSN 2

أما في 2019، فقد وُضع شرطي بالدار البيضاء رهن الحبس الاحتياطي بعد اتهامه بالتحرش بسيدة خلال عمله، وهي القضية التي تفاعل معها حموشي بإجراء إداري فوري تمثّل في توقيف المعني بالأمر إلى حين عرضه على القضاء.

وفي 2023، أحالت مصالح الأمن بالقنيطرة اثنين من رجال الشرطة على العدالة بعد اتهامهما بتعنيف موقوف أثناء الحراسة النظرية. حموشي أمر بتوقيفهما عن العمل إلى حين انتهاء التحقيقات، ما شكل رسالة جديدة في التذكير بأن انتهاك حقوق الموقوفين خط أحمر، ولن يُقبل في ظل أي ظرف.

ومن أبرز القضايا التي أثارت الرأي العام في هذا السياق، قضية ياسين الشبلي، الذي توفي في أكتوبر 2022 داخل مخفر الشرطة بمدينة بنجرير، حيث سارعت المديرية العامة للأمن الوطني إلى إشعار النيابة العامة، وتم فتح بحث قضائي شفاف انتهى إلى تقديم ثلاثة عناصر أمن أمام القضاء بتهم تتعلق بالتعنيف والتسبب في الوفاة.

تعاملت المؤسسة مع الملف بحزم، دون أدنى محاولة للتستر أو تبرئة داخلية، وتركت للقضاء الكلمة الأخيرة. وقد صدرت بالفعل أحكام بالسجن رجال الأمن المتورطين في الواقعة، في واقع يُكرّس مبدأ استقلالية التحقيق داخل المؤسسة الأمنية وعدم التهاون مع أي وفاة تقع في الحجز.

وهذه الوقائع، رغم حساسيتها، لا تمثل سوى نماذج محددة تُجسد تحولا عميقا في فلسفة الأمن الوطني تحت قيادة عبد اللطيف حموشي، حيث أضحت المساءلة قاعدة لا استثناء، والكرامة الفردية خطًا أحمر لا يُمَس. وفي الوقت الذي تُسجَّل فيه بعض التجاوزات، كما هو الحال في أي جهاز عمومي، فإن الحزم المؤسساتي في مواجهتها يُبرهن أن الأمر لا يتعلق أبدا بسلوك ممنهج أو سياسة مؤسساتية، بل بانحرافات فردية تُقابل بالصرامة اللازمة، في ظل عهد أمني جديد جعل من أنسنة الوظيفة الأمنية ركيزة للإصلاح ومصدرا لاستعادة ثقة المواطن وحفظ كرامته وصون حقوقه.

تحول التواصل الأمني في عهد الحموشي من الاستثناء إلى القاعدة. لم تعد المديرية العامة تلوذ بالصمت، بل باتت سبّاقة في إخبار الرأي العام، ونشر البلاغات، والتفاعل مع الإشاعات. في سنة 2024 وحدها، نشرت المؤسسة 1,674 بلاغا، وشاركت في أزيد من 5,800 نشاط إعلامي، وردّت على الأخبار الزائفة ببلاغات تكذيب مدروسة.

كما انخرطت المؤسسة بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتابع حساباتها أزيد من مليون و200 ألف متابع، وتنشر بشكل مستمر محتويات توعوية وتفاعلية. وساهم هذا النهج في تراجع كبير في عدد الإشاعات، وفي ارتفاع منسوب الثقة في العمل الأمني.

شرطة القرب، التوعية المدرسية، احتضان الأطفال الراغبين في ارتداء زي الشرطة، عروض التفاعل المجتمعي… كلها خطوات كرّست مبدأ “الشرطة في خدمة المواطن” لا فوقه.

ولم تكن هذه التحولات لتبقى دون أثر في وجدان المغاربة. فحسب استطلاع البارومتر العربي لسنة 2023، عبّر 80٪ من المواطنين عن ثقتهم في الشرطة، وهي النسبة الأعلى في جميع القطاعات. وفي دراسات أخرى لسنة 2024، بلغت الثقة نسبة 87٪، فيما وُضعت المؤسسة الأمنية في صدارة الهيئات العمومية من حيث المصداقية.

أما دوليا، فقد أصبح عبد اللطيف الحموشي أحد أكثر المسؤولين الأمنيين تقديرا، بشهادة الأوسمة والاعترافات من فرنسا، الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، وغيرها. وأحدث توشيح حظي به سنة 2025، كان وسام الأمير نايف للأمن العربي من الدرجة الأولى، تكريما لدوره في تعزيز الاستقرار العربي.

DGSN 5
DGSN 4

عبد اللطيف حموشي لم يغيّر فقط مؤسسة، بل غيّر المعادلة. جعل من الشرطة المغربية فاعلا مواطنا، يحمي، ويحاسب، ويتواصل، ويستمع، ويخضع للرقابة والمساءلة. ولهذا بالتحديد، يُستهدف. لأن نجاحه في تأهيل الأمن الوطني أحرج خصوم المغرب، وأسقط كل خطابات التشويه والافتراء. إنهم يكرهونه، لا لأنه أساء، بل لأنه أصلح.

واليوم، وبعد عشر سنوات من تعيينه، يتجدد السؤال: هل ما قام به حموشي هو مجرد إصلاح ظرفي، أم تأسيس لنموذج أمني جديد؟ الإجابة في الشوارع، في المدارس، في الأبواب المفتوحة، في منصات التفاعل، وفي أعين المواطنين الذين صاروا يرون في الشرطة مؤسسة تحمي لا تُرهب، وتخدم لا تبتز، وتكرم لا تُهين.

هكذا يصنع التحول الحقيقي. وهكذا يفهم خصوم الإصلاح أن عبد اللطيف حموشي ليس رجل مخابرات فقط، بل رجل دولة يحظى بثقة الملك ورضى الشعب.

شارك المقال إرسال
تعليقات الزوار ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية) .