يدفع العثماني في كتابه الجديد الصادر هذا الشهر تحت عنوان “التصرفات النبوية السياسية.. دراسة أصولية لتصرفات الرسول بالإمامة”، إلى أنه لا يمكن الحديث عن نظام سياسي إسلامي “محدد الأشكال والمكونات”، وإنما عن “سمات للحكم الصالح من خلال مبادئ وقيم ومقاصد مثل قيم العدل والحرية والشورى والمساواة”.
ويقول العثماني في كتابه، الصادر عن “الشبكة العربية للأبحاث والنشر”، إن “السياسة بالنسبة للمسلم تدخل ضمن منطقة الاجتهاد البشري في إطار الانسجام مع المقاصد الشرعية، وليس ملزما بالبحث في كل قضية جديدة عن تأصيلها في النصوص الإسلامية”.
بين الدين والسياسة
موضوع الكتاب ـ بحسب صاحبه ـ يتعلق بـ “واحدة من الأدوات المنهجية الضرورية لفهم السنة، وتصنيف التصرفات النبوية حسب المقام أو الحال.. والتمييز من ثم بين ما هو دين وتشريع دائم للمسلمين وما ليس كذلك”.
ويقول العثماني إن “كثيرا من تخبطات العقل المسلم اليوم وتشديداته في الدين وعجزه عن حل الإشكالات، ناتجة عن الخلط بين التشريع الديني والتصرف الدنيوي من تصرفات النبي، وهو الأمر الذي أوقع جماهير من المسلمين في الحرج الشديد”، حسب وصفه.
ويكرس الكاتب فكرة أنه “على الرغم من أن مهمة الرسول الأساسية هي تبليغ الرسالة، إلا أنه مارس في الوقت نفسه قيادة المسلمين وإمامتهم السياسية، فاقتضى ذلك أن تكون له من مقام الإمامة تصرفات تختلف عن تصرفاته الصادرة بحكم النبوة والرسالة”.
وعليه، يقول العثماني: “الالتزام بسنة النبي لا يكفي فيه التمسك الحرفي بنصوصها، بل لا بد من تفهم المقامات التي تصدر عنها تلك التصرفات وأخذ سياقاتها وظروفها ومقاصدها بعين الاعتبار”.
ومضى في القول: “لذلك فإن الاقتداء الشرعي بالرسول لا يتحقق إلا بمعرفة أن أقوال النبي وأفعاله وتقريراته لا تكون سنة إلا إذا صدرت عنه من مقام التشريع، في حين إذا صدرت منه من مقامات أخرى (دنيوية) فإنها لا تسمى في الاصطلاح سنة ولا يلزم منها الاتباع والاقتداء”.
ويتوقف المؤلف عند التصرفات النبوية السياسية، أي تلك التي صدرت عن النبي من موقع المسؤولية السياسية، مبينا أنه بناء على “تأصيلات لكثير من علماء الإسلام”، فإنها “ليست تصرفات تشريعية دينية عامة، ولا تدخل في باب الحلال والحرام، وإنما هي تصرفات خاصة بزمانها وظروفها ومرتبطة بالمصلحة العامة”.
ومن وجهة نظر العثماني، يقول إن هناك ست وسائل يمكن من خلالها تمييز تصرفات النبي الدينية عن تصرفاه السياسية.
أولى تلك الوسائل بحسب العثماني هي “النص”، أي أن يشير الرسول نفسه صراحة أو تلميحا إلى أن تصرفه كان من موقع المسؤولية السياسية.
وثاني الوسائل عمل الخلفاء الراشدين، وثالثها الإجماع، أي اتفاق مجتهدي الأمة.
والوسيلة الرابعة هي قول الصحابي، أي فهم الصحابة للنصوص، وخامسها ارتباط الحكم بعلة أو مصلحة عامة، ثم أخيرا أن تكون هناك قرائن محيطة.
“فهم وسطي”
ويعد الكاتب أن التعامل بهذه القاعدة، أي التمييز بين التصرفات النبوية، هو “المدخل من أجل فهم وسطي للنصوص النبوية وسد كثير من مداخل التشدد والغلو فيها، خصوصا حين يتم الاستشهاد بالنصوص على نحو عشوائي يتجاهل سياقها ومقاصدها والبناء المتكامل للدين”.
ويقول إن “الغفلة عن إدراك أهمية التصرفات النبوية السياسية واستقرائها وتعرف مقاصدها، يؤدي إلى جمود يضر بعملية الاجتهاد والتجديد ضررا بالغا؛ إذ يجعل كثيرا من الأحكام الخاصة بزمانها ومكانها وظروفها أحكاما عامة لكل الأوقات والأحوال”.
كما يؤدي الوعي بهذا التمييز ـ بحسب الكاتب ـ إلى “إنهاء كثير من مظاهر الفوضى المنهجية والمعرفية عند العقل المسلم المعاصر”.
ويقع الكتاب الذي صدر في طبعته الأولى في 464 صحيفة ويضم أربعة أبواب، الأول يتحدث فيه الكاتب عن “تنوع التصرفات النبوية”، والثاني عن “التصرفات النبوية السياسية”، فيما خصص الباب الثالث لـ “مسالك الكشف عن التصرفات النبوية السياسية”، والرابع عن “أهمية التصرفات النبوية السياسية ودلالاتها”.
يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتطرق فيها العثماني الذي يتولى رئاسة الحكومة منذ أبريل، إلى مثل تلك القضايا التي تتعلق بالسياسة والدين، فقد سبق أن كتب في هذا الموضوع منذ أكثر من عشرين سنة، وأصدر فيه كتبا منها “تصرفات النبي بالإمامة”، و”جهود المالكية في تصنيف التصرفات النبوية”.
محمد عبد الصمد من الرباط-وكالة الأناضول
تعليقات الزوار ( 0 )